الخميس، 24 أكتوبر 2024

قصيدة: نِداء الشجاعة بقلم الشاعر ابو بكر الصيعري

 (قصيدة: نِداء الشجاعة)

_____ النص👇_____ 

لا غرابة  بمُجاهد شُجاع 

وُلد  في  تلك  المُخيمات 


حُرم   الطفولة  وترعرعَ  

في  السجون  المُظلِمات 


خمسة  وعشرون  عاماً 

مابين سجنٍ  وآهاااااات 


عانق الأمل وأعلن الجِهاد 

وقاتل كالأسود الضاريات 


تمنى أن لايموت كالبعير 

ففاز  بِها  ونال الأمنيات 


أُستشهد  مُقبلٍ  لا مُدبر 

نعم الشِهادةوالتضحيات 


الشُهداء  عند الله احياء 

والمُنافقين  هُم الأموات 


الموت  حق  لا مفر  منه 

من باع نفسه لله مامات  


هَيهات الشُجاع الحُر يقبل 

الجُبن والمذلة هَيهااااات 


ياحبذا من  يمشي بدربه 

ليكون سِنواراً بلا شُبهات 


لا يعرف  ذُلٍ  ولا خيانة 

ولامُنافقين ولا مُنظمات 


ويبذل  نفسه  ومالهُ  لله 

دون الأرضِ والمُقدسات 


ويحرر  المسجد الأقصى 

من ال ك ي ان  والتبعات 


والختم صلِّ وسلم على

خاتم  النَبوةِ  والرِسالات 

_________________ 

بقلم ابو بكر الصيعري✍️ 

24\10\2024م



** مقهى الشّام.. قصة الكاتب: مصطفى الحاج حسين.

 ** مقهى الشّام.. 


      قصة: مصطفى الحاج حسين. 


عند مدخل مقهى الشّام، الكائن في ساحة (الجابري)، قرب الفندق (السّياحي)، التقيت صديقي (لقمان) صدفة، فدخلنا المقهى، وطلبنا قهوة (الإكسبريس)، وجلسنا بعد أن طلبنا من النّادل، إحضار الشّطرنج، وبدأنا اللعب، بقصد التّسلية.


كان عليَّ أن أمضي ساعة، ريثما يجهّز لي، بائع القطع الكهربائيٍة، فاتورتي.


على الطّاولة المجاورة لنا، كان صديقنا الممثّل المسرحي (طراد خليل)، مع صديق له، لا أعرفه، يجلسان، ويلعبان (الشّطرنج) مثلنا.. فتبادلنا التّحية، بالإشارة والإبتسامة.


أصوات السّيارات العابرة بالمقهى، كانت تطغى على أصوات الرّواد الغارقين ، في الأغلب في اللعب بالشّطرنج.


من تحت الطّاولة، ضغط (لقمان) بقدمه على قدمي، نظرت إليه، أشار بعينيّه إلى طاولة (طراد).. نظرت وإذ بعناصر أمن يقفون عند طاولته، عرفتهم على الفور، من مسدّساتهم البارزة، على خصورهم، حتّى وإن كانوا في لباسهم المدنيّ، وكانوا طلبوا من (طراد) وجليسه، هويّاتهم الشّخصيّة، فأخذنا أنا و (لقمان) نراقب خلسة، ونحن نتظاهر، باستمرارنا، بلعبة الشّطرنج. 


تفحّصوا الهويّات جيّداً، ثمّ طلبوا منهما مرافقتهم، وحين نهضا.. تطلّع إلينا، من كان يحتفظ بيده، بهويتي (طراد) ورفيقه.. ثمّ خطا نحونا، وألقَى التّحية، وقال:


- نحن.. فرع الأمن العسكري. 


قلنا، وقلبانا يرتجفان:


- أهلاً وسهلاً.


سألنا، وهو يتفرّس بوجهينا:


- هل تعرفان هذين الشّابين؟.


نحن لا نستطيع أن نقول لا.. ماذا لو كانوا يراقبوننا من قبل، وقد شاهدونا نتبادل التّحيّة والابتسام.. لذلك قلنا بصوت واحد، أنا و (لقمان):


- نعم. 


وبكلّ تحضر ، قال:


- هل يمكن لكما، أن ترافقانا إلى الفرع، لنأخذ منكما، بعض المعلومات عنهما؟. 


وهل نستطيع أن نعتذر، ونقول لا؟!.. من يجرؤ أن يرفض؟!.. أو يدّعي أنّه مشغول، ولا وقت لديه؟!.. قلنا له: 


- نعم.. 


رغماً عنّا.. خوفاً.. رعباً.. إذعاناً.. كرهاً.. وافقنا أنا و (لقمان)، وقلنا نعم. 


دفعنا للنادل، الذي حاسب من قبلنا (طراد).. وخرجنا، نهبط درج المقهى.. وكانت سيارتهم العسكرية هناك عند شارة المرور.


حملوا فيها (طراد) ورفيقه، أما أنا و (لقمان) ، فقد اقلونا سيّارة أجرة صفراء. 


جلس، واحد منهم، من الأمام، إلى جانب السّائق، وجلس من الخلف، واحد آخر، معنا أنا و (لقمان)..كنت في رعب شديد، فأنا أحمل حقيبة يد، فيها ثمن البضاعة الكهربائيّة، ومصراتي القليلة، وهويّتي، وعلبة تبغ احتياط، وقصائد لي منسوخة على الآلة الكاتبة.. والأهم، والأدهى، والأفظع، هي تلك الجريدة، التي نشرت قصيدتي، التي ألقيتها في المهرجان السّبعين، لذكرى الثّورة (البلشفيّة) في (الاتّحاد السّوفيتي).. وكانت مهداة لرّوح الشّهيد (فرج الله الحلو) الذي تم قتله، وتذويب جسده بالأسيد، زمن الوحدة.. نشرها لي صديقي (حسيب برّو) في جريدة ممنوعة، تابعة لجامعة (حلب).


ماذا لو قرؤوا قصيدتي؟!.. ماذا لو اكتشفوا الجريدة؟!.. مصيبة.. كارثة.. تذكّرت صديقي (مصباح) المعتقل، منذ أكثر من ستّة سنوات، بتهمة الانتساب (لرابطة العمل الشّيوعي) ، وتذكّرت جارنا (أبو محمد) المعتقل أيضاً، ومنذ بداية أحداث (الإخوان المسلمين)، بتهمة أنّه (بعثيّ يمينيّ)

.. وتذكّرت، وتذكّرت.. وأنا أرتجف بروحي و أنفاسي.. و (لقمان) الصّامت جنبي، ناولني سيجارة، وكان وجهه شديد الشّحوب.. لا أعرف كيف، وبماذا يفكّر الآن؟!.


التفتَ إلينا، من كان يجلس أمامنا، جانب السّائق، وقال:


- إذا سمحتم، أعطوني هويّاتكم. 


فتحتُ حقيبتي.. وناولته هويّتي، وكذلك فعل (لقمان).. وأخيراً سألت نفسي:


- لماذا هذا الخوف يا جبان؟!.. إنّه مجرّد سؤال لا أكثر.. وأنا أعرف (طراد) معرفة سطحيّة، وصديقه لا يهمّني، لأنّي أراه لأوّل مرّة.. ثمْ أنّ (طراد)، موظف لدى (نقابة الفنّانين)، ولا أظنّ أنّ عليه شيئاً مخيفاً.. لذلك يجب أن أطمئنّ وألّا أخاف.. مجرّد دقائق وينتهي الأمر. 


حين وصلت السّيارة إلى بوابة الفرع، وبدأنا بالنّزول، قال لنا من احتفظ بهويّاتنا عنده، بلهجة بدت جافّة وآمرة:


- ادفعا للسائق حسابه. 


تبادلنا.. أنا و (لقمان) نظرات التّعجب، والدّهشة، والاستغراب.. دفع (لقمان) للسائق، ودخلنا باب الجحيم. 


كم حاولت أن أرميّ الجريدة، في قلب السّيارة، لكنّي عجزت، بسبب من كان يجلس إلى جانبي، ويراقبني.. لو كنت أخذت مكان (لقمان) جانب النّافذة، كان ربّما استطعت، التّخلصَ والتّصرف.


في كلّ خطوة، نخطيها إلى الأمام، وندخل، كان قلبي يزداد انقباضاً، وتتضاعف دقاته في التّسارع والخفقان.


في بهو مسقوف بالرّهبة، والهيبة والصّمت المريع، وجدنا (طراد) ورفيقه، يقفان أمام أبواب، مكاتب عديدة مغلقة، وقفنا قربهم، ونحن نتبادل النّظرات.


وخرج علينا.. من طلب منّا مرافقتهم

، حين كنّا في المقهى، وزعق:


- استديروا إلى الحائط، يا حيوانات. 


رباه!!!.. كيف انقلب علينا، هذا الكائن، الذي كان يتحدّث معنا، بلطف قبل قليل؟!. 


استدرنا إلى الحائط بطلائه الرمادي.


صرخ بانفعال شديد:


- ارفعوا أياديكم عالياً.. يا (كلاب). 


أردّت أن أستدير نحوه، وأذكّره، بأنّنا أنا و(لقمان)، لا علاقة لنا، ولقد أتينا معهم، إلى هنا، لمجرّد أن نكون شهوداً لا أكثر.. ولكنّ يدا خفيفة، باغتّتني من الخلف، وخطفت الحقيبة من يدي، المرتفعة، والمستندة على الجدار.


- لا تلتفت.. ولا تحرّك رأسك، وإلّا دعسته لك.. يا قرد. 


غابت الحركة والأصوات، دقائق ولم نسمع صوت الخطوات التي كانت تدور حولنا، تشجّعت وأنا أحاول أن أستدير برأسي قليلاً إلى (لقمان) وإلى (طراد) وصديقه.. وإذ بزعيق ينفجر من خلفي، بحدّة ووحشيّة:


ألم أقل لك لا تحرّك رأسك يا (جحش)؟!.


وانهال سوطه على ظهري.. لم أكن أتوقّعه، أو أنتظره، أو أتخيّله.. فتألّمت، وتوّجعت، وتأوّهت، وصرخت:


- آ آ آ آ ه ه ه ه.


- بلا صوت.. يا خنزير. 


خرستُ.. وابتلعتُ حرقة ظهري، وألم روحي، وبكاء دمي، ونشيج قلبي، وانهيار فضائي.


- يا الله!!.. أنا لا أحتمل الضّرب.. تذكّرت تاريخي الحافل و ما تعرّضت له، من عقوبات، و(فلقات)، أيّام طفولتي، من أبي، وعمّي، وأساتذتي، (وشيخي) في الكتّاب، وعند الأمن (الجنائي)، والشّرطة العسكريّة في (القابون)، وفي دورة (الأغرار)، في الجيش. 


من أين جاءتني هذه المصيبة؟!.. ليتني لم أذهب إلى المقهى.. ليتني ظلّلت مثل كلّ مرّة، عند بائع الأدوات الكهربائية، أشرب الشّاي والقهوة، ريثما يجهّز لي طلبي.. ليتني ذهبت إلى (مقهى القصر)، أو إلى (مقهى الموعد).. أو إلى (الفندق السّياحي).. في كلّ هذه الأمكنةِ، قد أصادف أحداً من أصدقائي الأدباء.. اللعنة عليّ لحظة توجّهت إلى (مقهى الشّام).. ثمّ الآن سينشغل بال (أبو معتز) على غيابي، فقد أرسلني كالعادة، لأشتري للمحل الذي أعمل فيه، بضاعة.. الآن سيظنّ أنّني لطشتُ (العشرة آلاف ليرة)، واختفيتُ عن الأنظار.. ولم أرجع إلى المحلّ.. سيلوم نفسه لأنّه وثق بي، 

ويحمّل صديقي (إبراهيم) السّبب، لأنّه عرّفني عليه..سيقول عنّي هذا شيوعيّ لا يمكن الوثوق به.. كان يأمل أن تتمّ هدايتي على يديه، وأن أعود إلى ديني الذي هجرته، وإذ به يقع فريستي.. أصدقائي جميعهم خدعوه بي، (زكريّا)، (وعليَّ)، و(محمد علاء الدّين)، أيضاً هم شركاء (إبراهيم)، في هذه الخديعة.


وسمعنا جلبة، وصوت خطوات تقترب، فأصخنا السّمع، حتّى اقتربت منّا.. وكان هناك شخص يجرجرونه، على ما يبدو.. وهو يترّجّى، ويتوّسل

، ويتأوْه، ويئنّ، ويتضرّع، ويبكي.. وبدأت تنهال عليه الضّربات، و(الرّفسات)، واللطمات، والصّفعات، واللكمات، والصّيحات، والزّعيق، والصّرخات، والتّهديدات، والأوامر الغاضبة:


- استلق على الأرض يا حقير.. يا كلب.. يا منحط.. يا ساقط.. يا خنزير.. يا ابن الزّانية.. يا قوّاد.. يا ديّوث.. يا قليل الشّرف.. يا عديم الذّوق.. يا جبان.. يا كافر.. يا ملحد.. يا من لا تخاف الله.. يا مشرك.. يا دجّال.. يا كاذب.. يا فاسق.. يا شيوعيّ. 


- ضعوا رجليه بالفلق.. لا ترحموه.. ألعنوا أمّهِ على أبيه.. على طائفته.. على ملّته.. على مذهبه.. على دينه.


وانهالت السّياط عليه.. صوت السّياط وهي تهوي، يصدر صفيراً، فرقعة، دوياً، لسعاً، هديراً، جلداً. 


وكنت أرتعش، البلاط من تحتي يرتعد، الحائط الذي أستندُ عليه، بلّلت دموعه يدايَ، الهواء تشقّق جلده، السّقف تقوّض حديده، والصّدى بحّت حنجرته، وتورّم الضّوء. 


جاؤوا لنا (بطمّاشات)، غطّوا عيوننا.. غاب الحائط من أمامنا، اندلق الظّلام فوقنا، واسودّت أنفاسَنا، وانتحر لعاب فمنا، وغادرنا دمنا، وتقصّفت سيقاننا. 


وفجأة.. وضع أحدهم يده على قلبي، وجده ساقطاً تحت قدميه، فصرخ:


- لماذا يدقّ قلبك بعنف؟!.. يا ابن الحرام؟!.. لم أنت خائف هكذا؟!.. ما الذي تخفيه عنّا؟!.


وجذبني من رقبتي، وأدارني نحوه، بقوّةٍ وعنف. 


قلت بصوت ميت، لا نبض فيه:


- أنا يا سيّدي.. لست خائفاً، ولا أخفي عنكم شيئاً، أنا مجرّد شاهد هنا.. أتيت لتسألوني عن (طراد خليل)، قلتم لي مجرّد كم سؤال، وتعود أنت وصديقك.. وأنا لا أعرف شيئاً يا سيّدي، وأقسم لك. 


صاح بي محقّق ثاني:


- من منكم ينتسب ، لأحزاب الجبهة التّقدميّة، يا (أوغاد)؟!. 


لم يردّ عليه أحد منّا.. فعاد يسأل:


ـ طيّب.. من منكم منتسب لحزب البعث العربيٍ الاشتراكي؟!. 


وأردت أن أنجو، أن أغامر، المهم أن يسمعوني، قبل أن يكتشفوا ما في داخل حقيبتي، فقلت:


- أنا. 


وصاح.. وكرّر السّؤال:


- أنت بعثيّ؟. 


- نعم.. سيّدي. 


رفع عن عينيّ القماشة السّوداءُ، و سحبني من يدي، نحو مكتب قريب.. فتحه وأدخلني.. كان داخل المكتب، من يجلس خلف الطّاولة.. وحوله ثلاثة من العناصر، ومحفظتي في يده، يهمّ بفتحها وأتفريغها، على طاولته الفخمة والكبيرة، والتي توجد عند مقدمتها، (يافطة مذهّبة) مكتوب عليها، وبأحرف كبيرة سوداء، وجميلة، الرّائد الرّكن، (فضل الله الأسعد).. رفع رأسه إلينا، ونظر إليّ، فقال، من أدخلني إليه:


- سيّدي.. هذا يقول، إنّه رفيق (بعثيّ). 


توقّفت يده عن تفريغ المحفظة، وسأل ، وكان له شوارب غليظة، وطويلة:


- من أيّ شعبة أنت؟!. 


قلت بتلعثم وخوف:


- أنا يا سيّدي.. من شعبة (العمال الأولى)، كنت جالساً في المقهى، نلعب الشّطرنج أنا صديقي، سألونا عن شخص يريدون أخذه، قلنا نعم نعرفه، فطلبوا أن نرافقهم، ليأخذوا منّا بعض المعلومات، وحين صرنا هنا، يبدوا أنّهم نسوا لماذا أتينا، راحوا يعاملونا، كأنّنا مثله.. وأنا أقسم لك يا سيّدي، بأنّ معرفتي به سطحيّة ، مجرد سلام وتحيّة لا أكثر. 


وضع سيادة الرّائد حقيبتي من يده على الطّاولة، ودفعها من أمامه، وقال:


- سأسأل عنك في شعبتك. 


كم فرحت، وسعدت، وشكرت الله لأنيّ دخلت عنده في اللحظة المناسبة، وتركته لا يفتش حقيبتي، ويتركها من يده، إنَّها أعجوبة، معجزة، ضربة حظ عظيمة.


ثمّ أخرجوني من المكتب.. لم أجد أحداً من جماعتي.. كان البهو فارغاً. قادني من كان يصحبني. إلى غرفة أخرى، وطلب منّي أن أخلع كل ما عليّ من ثياب، وأن أبقى في السّروال، وأن أتركهم في الأمانات، ثمّ أتبعه. 


كان الممر ضيقا وطويلا، على يمينه جدار، وعلى يساره، زنازين مفتوحة الأبواب، أمرني بالسّير لآخر الممرّ، كان عدد الزّنازين التي عبرت من أمامها، خمسة، مليئة بالموقوفين، عليهم آثار ضرب، وتعذيب.. وعند الزّنزانة الأخيرة، أمرني بالدّخول، وتركني. 


دخلت حاملا أغراضي، ووجدت عدد من الموقوفين، متورّمي الوجوه، والأقدام، وكان بينهم (لقمان) و(طراد) وصديقه، فوسّعوا لي المكان، وقعدت قرب(لقمان). 


صمت مطبق، لا أحد هنا يستطيع الكلام، فقط هي النّظرات المنكسرة، الدّامعة، المقهورة، الزّائغة، المرتابة، هي ما تحتلّ فضاء الزّنزانة المفتوحة الباب، الممنوع من الخروج منها، أو استراق النّظر.


وهناك نافذة يدخل منها الضّوء، خائفاً، متوجّساً، يخشى على نفسه، من الاعتقال، فهو قبل أن يسقط في هذه الزّنزانة، تعترضه شباك من حديد، متينة، وقويّة، وغليظة، وكثيفة. 


من المؤكد أنّهم، زرعوا بيننا هنا، من يقوم بالتّجسّس علينا، لذلك لا تجد هنا من يكلّم غيره، الكلّ مشغول بكلامه، مع ذاته، ولكن بصمت شديد، وكتمان متين، وراحت عينايَ تجوسان في المكان، وتبحثان بين الوجوه المتورمة، والمرهقة، والمتعبة، والدّامية، عن ذاك المندسّ بيننا، ليراقب حركاتنا، وهمساتنا

.. ولكن من هو يا ترى؟!.. وأين هو الآن يجلس؟!.. إن جميع الذين هنا، تعرّضوا للضرب، والتّعذيب. 


ترى ماذا سيقال (للرائد الرّكن)؟!، حين يسأل الرّفاق في (شعبة

الحزب) عنّي؟!.. هل ما زالوا يعتبرونني رفيقاً لهم؟!، أم سيخبرونه بأنّني منقطع عن الحضور

، منذ لحظة قبولهم لي؟!.. قدّم لي طلب الانتساب سيادة الرّائد (خليل إسكندر)، المسؤول عن التّوجيه السّياسي، في قيادة اللواء، وأنا في دورة الأغرار، وقتها، حتّى يتمكّن، بعد انتهاء الدّورة، من فرزي لعنده، ووافقت أنا بدافع الخوف، لا أكثر.. وهل كنت أجرؤ على الرّفض، في تلك الأيام؟!.. وانتهت الدّورة، وتمّ فرزي إلى مكان آخر، بسبب تأخّر وصول الموافقة، على انضمامي إلى الحزب الحاكم، ومرّت الأيّام، وسرّحت من الخدمة الإلزامية، بعد ثلاثة سنوات وأربعة أشهر، وخمسة أيام.. ولم تصل الموافقة بعد.. ونسيت أنا الموضوع، وطلب الانتساب الذي أرفضه، إلى أن توظّفت في مخبز (الحمدانية) الآلي، وبعد مضي أكثر من سنتين، وإذا بمدير المخبز، يرسل خلفي

، ليزفّ لي بشرى، قبولي نصيرا في الحزب، شعبة العمّال الأولى.. أيضاً تظاهرت بالفرحة، والقبول. 


والتحقت بالشّعبة، وحضرت أوّل اجتماع، كان يترأسه الرّفيق (ماهر)، وهو مدير شركة، في القطاع العام، هامة، وحيويّة.. واعترضت على فكره، وحاولت مناقشته، وإحراجه، وحينَ وجدته، يشتم، ويسبّ (أمريكا)، وهو يدخّن سجائر فاخرة، من صناعتها، تضايق منّي، ومن يومها، لم أحضر غير هذا الاجتماع اليتيم.


وسرعان ما زجّ بي، في نوبة حرس للشعبة، التي تقع أمام، (نقابة الفنّانين).. ومنذ اللحظات الأولى، لوقوفي حارساً على (باب الشّعبة)، نظرتُ وشاهدت صديقي (خالد خليفة)، مقبلاً علينا، وهو يعرف ميولي، للشيوعيّة، وأنا دخلت بيته كثيرا، بهذه الصّفة، و أيضاً أنا أحبه، وأحترمه، هو وأخوه، (مروان)، الذي أعتقل بتهمةِ انتمائه (لرابطة العمّال الشّيوعيّ)، وهو صديق (لمصباح)، صديقي المعتقل منذ سنوات، وهو من عرّفني عليه.. فخجلت من نفسي، وقبل أن يراني، وينتبه لوجودي هنا، صعدّت إلى الأعلى، وسلّمت بندقيّتي، واعتذرت، وانسحبت، وما عدت أحضر عندهم، وكم أرسل خلفي، وإلى بيتي، الرّفيق (ماهر).. وما استجبتُ، ولا عدتُ. 


خارج زنزانتنا الصّغيرة والضّيقة، وعلى الطّرف المقابل لها، وبعد متر أو أكثر بقليل، يوجد (المرحاض) الوحيد، لكلّ نزلاء الزّنازين، وهو بلا باب، وله حنفيّة ماء، مفتوحة بشكل دائم، تصدر صوت خرير قاتل، ومزعج، ويسبّب صداعاً حادّاً، وتحت الحنفيّة، توجد عبوة معدنيّة صغيرة، تستعمل (للتشطيف)، لا وجود لخرطوم إلى الحنفيّة، ولا وجود لمغسلة، أو صابون للتغسيل.. وكان علينا أن نشرب الماء من هنا، من هذا (المرحاض)، القذر، والكريه الرّائحة، والذي ندخله و(نفعلها) دون ستار، أو حجاب، أو مخبأُ!!.. شيء غير إنساني، وفظيع!!. 


طبعاً كانت الزّنزانة بلا أي مقعد، أو سجادة، أو عازل للأرض، فكلنّا جالسون على البلاط، المتوهج من شدّة الحرّ.


السّيجارة هنا تساوي الكثير، الحرُّ وحش خرافي، ينقضّ على الزّنزانة، وعلى الجدران الإسمنتية السّوداء، يسيل منها العرق، بغزارة بالغة.. حيث يجد المرء نفسه، يغفو، ويسهو، دون مقاومة منه، بسبب الحرّ الخانق، والشّمس عَمِيْلَة المخابرات، كانت تتوّغل لنخاع موتنا باقتدار. 


ماذا.. لو عرفت أمّي إني هنا موقوف؟!، أو علم أبي، أو أخوتي، أو أخواتي؟!.. أو خطيبتي، التي هي في مدينة الباب؟!.. آهِ كم هذا أمر مؤلم، وفظيع عليّ، وأنا لا أحتمله، ولا أطيقه.


وفتحَ باب الممرّ، سمعنا صوت حركة المفتاح، أحضروا إلى زنزانتنا، ثلاثة أشخاص، يلبسون السّراويل مثلنا، منهم رجل مسنٍ، ذو لحية خفيفة بيضاء ، وأثنين في سن الشّباب، واحد منهما على عنقه، آثار جرح قديم، يحمل بيده كيساً أسوداً، وممتلئاً.. وكان العنصر الذي قام بصحبتهم، يتعامل معهم بمنتهى اللطف والوداعة!!، ويخاطب كبيرهم، باحترام وتقدير، يناديه بكلمة عمّي. 


جلسوا في صدر الزّنزانة، بعد أن أمر عنصر الأمن، من كانوا يجلسون في هذا المكان، بالنّهوض، والابتعاد.، فابتعدوا، وأفسحوا المجال، للثلاثة الوافدين علينا. 


علائم الخوف والرّعب، ليست بادية عليهم.. كانوا يتحدّثون، لم ينقطع كلامهم، منذ دخولهم علينا، حتّى كانوا يبتسمون.. بل فتح صاحب العنق المجروح، كيسه، وأخرج منه علب تبغ، أجنبيّة، وأشعلوا السّجائر، ونحن نتطلّع إليهم، بدهشة، وحسد. 


لم نكن نجرؤ على الكلام، رغم أنْ البعض بدأ يتجرّأ، وبدأت الهمسات، تنتشر في الزّنزانة، واقترب منّي (لقمان)، وهمس:


- الله يسترنا يا صديقي!. 


أردت أن أجيبه.. بكلام لا معنى له.. لكنّ (طراد) مال عليه، وأخذ يكلّمه بصوت خافت، لم أستطع تميزه.. وكان لقمان يهزّ برأسه.. وأحياناً يهمس:


- فهمت عليك.. أطمئن.. لا عليك. 


وعرفنا من يكون هؤلاء الثّلاثة، المتميّزون عنّا، فهم أب وابنيه، يعملان في تهريب الأسلحة.. ولقد تمّ ضبط السّلاح المهرّبِ، في سيّارتهم، التي هربوا منها، وتركوها وسط الطّريق.. والآن يرفضون الاعتراف، بأن هذا السّلاح، الذي ضبط داخل سيّارتهم، يخصّهم، أو لهم علاقة به.. وهم يدّعون

أنّ سيّارتهم قد تمّ سرقتها، من قبل ناس مجهولين، وقام السّارقون، باستغلال سيّارتهم.. ليهرّبوا بها السّلاح.. وهناك من يعمل على مساعدتهم، وتخليصهم من هذه الورطة. 


ودخل العنصر، الذي تركنا قبل قليل، يحمل بيديه الأكياس، كانت رائحة الفروج المشوي، تفوح من الأكياس بقوّة، حرّكت عندنا مغارات الجوع، فبدأت أمعاؤنا تتلوّى، وتقرقر، وتنهش بنا بضراوة وتوحّش. 


ناولهم الأكياس، شكروه وانصرف.. ثمّ وضعوها على أرض الزّنزانة، وفتحوها، وضعوا فروجتين لهم، وأعطونا نحن جميع، من في الزّنزانة، فروجتين ، و بلغ عددنا دونهم، أحد عشر شخصاً.. فرحنا وشكرناهم، واقتربنا، رغم الأقدام المتورّمة، والمّمدودة.. وهناك من تطوّع لتقسيم حصص، لكل واحد منا، تقريبا بالتّساوي، وبطريقة عادلة. 


وصبّوا لكلّ واحد منّا، نصف كأس (بلاستيكي) من (الكولا) الباردة.. فأغدقنا عليهم شكرنا.. ودعونا لهم بالإفراج السّريع.. مع أنّي كنت أكذب.. فما أقوله بداخلي، هو غير الذي قلته لهم، فهم مهربو أسلحة، أولاد كلب، مدعومون، ومدلّلون عند رجال الأمن. 


الماء البارد.. الذي أحضره لهم عنصر الأمن.. في عبوات نقيّة، ونظيفة.. لم يعطونا شربة واحدة منه.. كان على من يريد أن يشرب منّا، أن يشرب من ماء، دورة المياه.. من الحنفيّة التي لا يتوقف صوتها البشع. 


لكنّ المهرّب.. الأب (الحجي)، لم ينتهي كرمه بعد.. فبعد أن انتهينا من الطّعام، وقمنا بتنظيف المكان، ووضع المخلفات في ذات الأكياس، وثمّ حملها، إلى سلّة الزّبالة في دورة المياه.. قام هذا الرجل الورع، بتضييف كل واحد منّا، بسيجارة بعد الطعام.. وقال لنا:


- لا أحد يطلب منّي، سيجارة ثانية، فقد أخذ عليّ وعداً، سيادة الرّائد (فضل الله)، أن لا أعطي لأحد، نفثة واحدة من الدّخان.. وأنا أعطيكم الآن على مسؤوليتي. 


أشعلنا السّجائر بشغف عارم، وأقدمنا عليها، كمن يُقدِم، على عناق حبيبته، الفاتنة.. لكن.. وقبل أن ينتهي (طراد)، من تدخين سيجارته، دخلا علينا أثنان، من عناصر الفرع، واقتاداه معهم، بعد أن وضعا، القيد بيديه إلى الخلف، وثمّ عصبا له عينيه، بقماشة سوداء، وسحباه، وانصرفوا.. وسط صمتُنا، وخوفنا، ورعبنا. 


بدأ التّحقيق معنا.. هل سنتعرض للضرب؟!.. كما فعلوا مع ذاك، الذي عذّبوه، وضربوه، حين كنّا نرفع أيدينا على الجدار؟!.. آهِ ربي.. أنا لا أحتمل، لا أقوى، لا أستطيع، ولا أتخيّل أن يفعلوا معي هكذا، مثلما فعلوه.. أموت.. ومستعدّ أن أعترف، بكلِّ ما يريدون.. آهٍ أنا خائف.. بل ميّت من رعبتي. 


استرقت نظرة إلى وجه (لقمان).. كم بدأ شاحباً، ومصفراً، ومتيبّس الشّفتين.. صديقي المدلّل (لقمان)، هنا لا يفهمون، ولا يراعون، أنك وحيد والديك، وأن بقيّة أولادهما، ستّة بنات.. وأنّك ابن نعمة، وعزّ، ومكانة وجاه.. وأنك رقيق المشاعر، لطيف وحساس، شاعر، وعازف (بزق) ماهر، وممثّل، وناقد، ولاعب كرة قدم.. وراقص (كزوربا).. أنت لا تستحق ما نحن فيه.. قل لي صديقي.. كيف سننجو من هذه الورطة، اللعينة؟!.. صديقي الرّائع.. صديقي النّبيل.. صديقي المبدع المحبوب.. نحن في ورطة كبيرة، بل في كارثة عظيمة.


الدّقيقة أطول من ساعة هنا.. الزّمنِ هنا ميّت بلا حراك.. هنا مكان إقامة ملك الموت (عزرائيل).. هنا يصلب الأنبياء.. هنا تقطع ألسنةُ الشّعراء.. هنا تخصى الرّجال.. هنا تغتصب الإرادة.


أهلي حدّدوا لي يوم عرسي.. بعد أقلّ من إسبوع سأتزوج.. هكذا كنّا نأمل، ولكن الآن أسأل، هل سيتحقّق هذا الحلم؟.. سامحيني حبيبتي (هيفاء)، يبدو أنّني سأفقدك.. بل سأفقد حرّيتي وفرحتي، وأحلامي.. انسيني.. من حقك أن تتزوّجي من غيري، رغم أنّ (عمّتي) أمّك، قد حملت بك لأجلي.. هي وعدتني قبل أن تحبل بك، بأنّها ستنجب لي عروسة.. وأنا انتظرتك، وفرحت يوم ولادتك.. وكنت أراقب نموّك، وأنت تكبرين.. وتتفوّقين على أقرانك من الفتيات، في دراستك، وجمالك، وقوّة شخصيّتك.. كنت فرحاً

بك، وبحبّك لي.. ولكن، هنا تعدم الأحلام.. في هذا الفرع، يدفن الفرح، 

وتقتل البهجة. 


(مصباح) أخذوه قبلي.. منذ سنوات، أخفوه عن الحياة التي كانت تضجّ به، أبعدوه عن تفتُّح المستقبل، هو لم يشأ أن يورّطني قبل أن أنضج.. كانت معرفتي ناقصة لم تكتمل بعد.. خاف عليَّ، وكان يصفني:


- أنت ثرثار.. متهوّر.. مندفع.. مغامر.. عصبيّ.. نزق.. بسيط..  متقلّب المزاج.. عاطفيّ.. تنخدع بكلِّ بساطة. 


وأنا من بعد اعتقاله، سكنني الخوف، والجبن، والارتباك، والضّياع، والحزن، والانكسار. 


بدأت تتناهى إلينا أصوات غائمة، مبهمة، أصخت السّمع، دقّقت أكثر، تعالت ضربات قلبي، انكمشت عنّي أنفاسي، وسرت موجة تيبس بداخلي.. إنّها صرخات (طراد)، أنينه، توسّلاته، تأتي مع أصوات غاضبة، حادّة، غليظةٍ، لئيمة، ولا تعرف الرّحمة، ولا الشفقة. 


كان صديق (طراد) الذي لا أعرفه.. يرتعشُ، جسده النّحيل بالكامل ينتفض، ووجهه ذو الأنف المعوجّ قليلاً محتقن بالانهيار.. و(لقمان)، تضاعف شحوب سمرته، تحول وجهه إلى سحابة قلق داكنة، وعيناه الكبيرتان غار فيهما الأسى، وإعصار الحيرة والارتباك. 


- سأعترف.. سأقول لكم كلّ ما تريدونه.. أقسم بالله لن أخفي عنكم شيئاً. 


هذا ما كان يردده (طراد) قبل أن يختفي عنّا صوته. 


قال أحد الموقوفين.. المتورّم القدمين، الغارقتين بالدّمِ المتجمّد:


- ومن يستطيع أن لا يعترف؟!. 


قصيدتي نقطة ضعفي.. الجريدة تشكّل خطراً قاتلاً عليّ.. سيوجّهون إليّ تهمة ازدواجيّة الانتساب للأحزاب.. (بعثي وشيوعيّ) بآن واحد!!.. وهناك قانون الإعدام.. لمن يرتكب هذا. 


دخلوا.. علينا مرّة ثانية، طلبوا (لقمان)، انهارت نبضات قلبي، أخذوه بعد أن أوثقوه، و(طمّشوه).. ولم يعيدوا (طراد) إلينا.


اقترب دوري.. حان وقتي.. أزفّت لحظة موتي.. ربّاه.. أمّاه.. أبي.. أنا الآن أواجه الحقيقة.. حقيقة فظيعة ولئيمة.. ولكن اسمها الحقيقة.. بلا أدنى كذب.. بلا توريّة.. بلا مجاملة.. أو تجميل.. نعم هذه الدّنيا ليست لنا.. نحن الجماهير أتيناها بالخطأِ.. اقتحمناها، وكنّا نجهل أنّنا غير مرحب بنا.. الطّببعة تحتقرنا.. وتزدرينا.. والغابة استكثرت علينا، أن نعيش بأمان، تحت ظلالها الوارفة.. الموت مصير الفقراء.. العبوديّة نصيبنا المحتوم.. كذب علينا الفلاسفة، وأصحاب الفكر.. ودعاة التّحرر.. من منّا يستطيع أن يكسّر قيده؟!.. أن يتمرّد؟!، أن يحتجَّ؟!، أن يثور؟!.. وأن يقول لا للطغاة، والمستبدّين.. أنا لا أمل عندي.. 

لن ننتصر على الظّلام.. لآخر لحظة من عمر الكون، سيكون الظّلام أقوى، وأشدّ اتّساعاً.. آهِ (مصباح) غيّبوك مجاناً. 


طال الوقت.. استبشرت خيراً.. وفرحت، وأحسّست بالأمان.. نعم.. حتّى الآن لم نسمع صوتاً (للقمان).. وهذا يعني لم يتعرّض للضرب.. وأقصد أن هناك أمل.. فقد تمرّ هذه الأزمة، ونخرج من هذا الفرع على خير.. ليت هذا يحدث.. قسماً سأتوقّف عن ارتياد المقاهي.. سألتقي مع أصدقائي في البيوت.. الأماكن العامة خطيرة، ومغامرة أنا في غنى عنها للأبد.


وزعق بقلبي صوت، قويّ، جهور، شجاع، وواضح النّبرة:


- لا تخف.. كن شجاعاً.. لا يقع في الفخّ، إلّا الجبان.. انتبه لنفسك. 


أمّي دائماّ تدعو لي، ذات الدّعاء، وفي كلّ مرّة، تكون فيها راضية منّي:


- الله يبعد عنك، الظّلّام، والحكّام، وأولاد الحرام. 


يا رب استجب لأمّي.. فأنت تعرف كم هي طيّبة.. وخيّرة.. وبسيطة.. ورقيقة.. وضعيفة.. فلا تفجعها بي.. حتّى وإن كنت أنا حقيراً لا أستحقّ.. أعصاك حين أحسّ بالأمان.. وأرجع إليك وقت الشّدّة والخطر.


فتح الباب المقفل، سمعت أصوات أقدام في الممرّ، وها هو (لقمان) يدخل، بلا قيود، أو (طماشة) على عينيه، ولا أثر لضرب، عليه أبداً.. لكنّ الحزن لم يرتحل، وعينيه ما زالتا هائمتان في الفراغ.. اتخذ مجلسه.. وذهب عنصر الأمن.. فهتفت بخفوت:


- طمّني.. ماذا صار معك؟!. 


ظلّ مطرقاً رأسه بالأرض.. شعره الخرنوبي الطّويل كان مغسولاً من التعرّق.. في صمته وجع وألم.. تذكّرت ضحكته المجلجلةِ، ومزاحه الذي لا يتوقّف، وسخرياته العميقة والذكيّة.. ماذا فعلوا معك صديقي؟!. و(لقمان) ليس معنا في زنزانتنا، بل هو في زنزانة أبعد.. زنزانة صغيرة، ومظلمة، منفردة، لا تّتسع لدمعته، ولا لصمته. 


عادوا وفتحوا الباب، تضرّعت إلى الله أن لا يكون الدور عليّ.. أن يكون على صديق طراد، الذي لا نعلم ماذا حلّ به، وإلى أين أخذوه؟!.. لكنّهم نادوا اسمي.. أنا سمعت إسمي منهم.. تلفّت علّ غيري يتبرّع ويردّ عنّي، ويذهب معهم بدلاً منّي.. ولكن هيهات هيهات.


انحنوا فوقي.. أنهضوني عن الأرض.. في تلك اللحظة لمحت بريقاً في عينيّ لقمان.. وفهمت منه قوله لي.. لا تخف. 


دخلت مع قيدي.. ومع ظلمة تحيطني أنا فقط.. هم يرونني، وأنا لا أبصر سوى رعشتي بداخلي.. تعرّضتُ لضربة من عصى غليظةٍ، جاءت في خاصرتي.. كنت أسمع صوت طرقاتها،على الأرض.. 

وزعق بي صوت، كنت قد سمعته سابقاً:


- قلت لي أنّك (حزبيّ).. أليس كذلك؟!. 


هبط قلبي إلى الدّرك الأسفل، من جحيم الخوف، والذّعر.. إذاً عرف الموضوع!.. كشف كذبتي.. الويل لي.. بماذا أجيب؟. 


- نعم سيّدي.. أنا (حزبي). 


- (حزبي)!!.. ولا تحضر اجتماعات؟!.. ولا تدفع اشتراكات شهريّة؟!.. ما شاء الله عليك يا (رفيق)!. 


عادت روحي إليّ، استبشرت خيراً.. أطلّ الأمل على أفقي.. لقد بالغت في مخاوفي، أكثر مّما ينبغي.. الأمر أهون الآن، على ما أظن:


- سيّدي.. أنا الآن أعمل في القطّاع الخاص.. كنت سابقاً موّظفاً، (أمين مستودع) في (مخبز الحمدانيّة) ولهذا صعب عليّ الالتزام، وحضور الاجتماعات، ولكنَّني سأدفع كلّ ما يترتب عليّ من اشتراكات سابقة.


- نعم صلّح وضعك عند ( شعبة الحزب).. ولكن... 


وجاءتني ضربة مباغتة، بالعصى، وأردف بسؤال:


- ماذا تعرف عن (طراد خليل)؟. 


أحسّست براحة أكثر.. أجبت:


- سيّدي.. أنا أعرف (طراد خليل) بحكم صداقته مع صديقي (لقمان)..و(لقمان) شاعر، وأنا أكتب الشّعر.. و(طراد) ممثل في المسرح القوميّ، و (لقمان) ممثل في المسرح الجامعي.. وهكذا تعارفنا، ولكن معرفة سطحيّة.. وهذا الذي مع (طراد)، أنا لأوّل مرّة أراه.. ولا أعرفه أبداً. 


وصلتني ضربة مؤلمة على فخذي، ثمّ تبعها سؤال:


- ما علاقتك.. (برابطة العمل الشّيوعي)؟. 


- سيّدي.. أنا لي أصدقاء في جميع أحزاب (الجبهة الوطنيّة التّقدميّة). 


صرخ.. وضربني بعصاه، على مؤخّرة رأسي:


- (أحزاب الجبهة)، لا علاقة لها بهذا التّنظيم، المعادي للدولة، وإلى الحكومة. 


تظاهرت.. بالجهل، والغباء، وعدم المعرفة، وقلت:


- أنا.. لا علاقة لي بهذا التّنظيم،

المعادي، وأنا لأوّل مرْة أسمع به. 


هذه المرّة أمسكني من أذني، وشدّها بعنف، ذكّرني يوم كان أستاذي (المعرّاوي)، يضع حصاة صغيرة، بين أصابعه، ويضغط بها على أذني، وهو يقوم بشدّها. قال:


- لكنّ صديقك (لقمان)،اعترف بتنظيمه في (رابطة العمل السّرّيّة)، واعترف عليك أيضاً، فأنت من مجموعته، وتحضر معه الاجتماعات، وتدفع الاشتراكات، وتقومان بتوزيع المنشورات، على الكتّاب والأدباء. 


تظاهرت بالدّهشة  والاستغراب..

وبالضّيق، والانزعاج.. وكنت أشاهد، من خلال (الطّماشة) السّوداء، التي تغطي عينايَ، أرض المكتب، وأقدامه المتحرّكة حولي.. وأتسأل عن الجدّوى، من تغطية عيني، طالما شاهدت الرّائد (نوفل زهرة) وحفظت اسمه، عند دخولي مكتبه، في المرْة الأولى؟!.


وهتفتُ.. باندفاع، وكأنّه جاءني عفوياً:


- لا.. يا سيّدي.. (لقمان) يكذب.. لقد خدعكم.. وغشّكم.. فهو ليس من (الرّابطة).. وليس منتسباً إليها.. ولا أنا. 


وصاح بي.. وكانت ضربة عصاه، على ظهري مؤلمة، وقويّة:


- قبل لحظات كان (لقمان) صديقك.. والآن تقول عنه كاذب.. أبهذه البساطة 

تتخلّى عنه؟!. 


- يا سيّدي.. أنا لا أتخلّى عنه.. لكنّ (لقمان) صغير بعد.. خاف منكم، فصار يقول لكم أيّ كلام.. ويعترف لكم بأنّه، منتسب لجهة معادية، وأنا شريكه.. نعم، هو خائف، ويكذب، فلا تصدّقوه. 


شاهدت قدميّه تتحرّكان، حول طاولته

، ومن خلال الحركة، التي صدرت، عرفت أنّه جلس خلف الطّاولة.. وقال يسألني بتهكّم وسخرية:


- أنت شاعر، أليس كذلك؟. 


- سيّدي.. كانوا يسمّونني في الجيش، شاعر الفرقة الخامسة، عند حدود الجبهة، مع العدو الإسرائيلي، اسألهم عنّي، هناك. 


قال وبتهكّم زائد.. أنا أريدك أن تسمعني 

من شعرك الآن.


- سيّدي.. أنا بهذه الحالة، لا أستطيع أن أسمعك، من شعري.. حالتي الآن لا تسمح لي. 


وعاد إلى تهكّمه، وسخريته الباردة:


- وما بها حالتك؟!.. لتشكو منها؟!.. هل نحن أزعجناك؟!.. هل وضعناك على الدّولاب، أم نزعنا لك أظافرك؟!.. أم أطفأنا أعقابَ سجائرنا، بظهرك العاري؟!. 


همست بانكسار:


- أنا متعب سيّدي.. أرجوك. 


مرّت دقيقة صمت، خلتها دهراً.. وأنا أسأل بلاط المكتب، الظّاهر أمامي فقط، وهو يضحك بشدّة، من قدميَّ الحافيتين، والمتورّمتين من التّعب والإرهاق، إلى أن قال:


- إن كنت.. لا تريد أن تسمعني شعراً، فدعني أسمعك، أنا هذه القصيدة.


خفق قلبي بشدّة، وبضراوةٍ، وبقوّةٍ، وبجنون، أربكني، وأرعبني، يا الله!!.. كنت أظنّ، أنّ الأمور تسير نحو الخلاص.. لكنّها عادت لتتأزّم.. وتشتدّ، 

وتعود كما كانت في السّابق.. نعم.. ها هو سيقرأ عليّ قصيدتي، المنشورة في الجريدة الممنوعة، والّتي أهديتها إلى روح الشّهيد (فرج الله الحلو)، أمين عام (الحزب الشّيوعي).. والذي قتلوه تحت التّعذيب، وثمّ أحرقوا جسده، وأذابوه (بالأسيد). 


- اسمع هذه القصيدة، وأعطني رأيك بها، دون مجاملة، أو مسايرة، بل بموضوعيّة تامّة. 


- ما قولك؟!.. هل أنت جاهز؟.. هل أبدأ بالقراءة؟. 


- تفضل سيّدي.. أنا أسمعك. 


كنت على وشك الموت، وأنا أتظاهر باستعدادي للاستماع. 


وقال:


- ( خراء حافظ الأسد، على مصطفى الحاج حسين).. ثمّ ضحك بقوّةٍ، وقال ما رأيك بهذا الشّعر الحديث؟.. أليست جميلة؟.. أجمل من كلّ ما تكتبه؟. 


عادت إليّ أنفاسي.. نعم.. لم يفتح حقيبتي.. ولم يقرأ قصيدتي، في الجريدة.. وهذا مدعاة للفرحة، وإلى السّرور، وإلى البهجةِ.. فليقل عنّي ما يشاء.. وليسخر من إسمي، ومن كتاباتي، المهم أن لا يقترب، من الحقيبة.. وهنا أحببت أن أجاريه، وأن أبعده عن التفكير، بفتح الحقيبة، قلت في نفسي، سوف أتظاهر بالمسكنة، وبالغباء:


- سيّدي.. عفواً.. هذا ليس شعراً.. إنْه كلام لا أكثر. 


وهتف.. وهو غارق بضحكته:


اتّضح أنّك (جحش)، لا تفهم بالشّعر الحديث. 


ستفرج يا الله.. ستفرج.. وسأخرج.. وأعود للحريّة، وسأتزوّج بعد خمسة أيام.. ويبقى هذا اليوم ذكرى، أليمة وقاسية. 


- سيّدي.. أنت هكذا تسيء إلى الشّعر، وإلى مفهوم الحداثة. 


لم أتوقّع.. أن يقول لمن حوله، من عناصر، أرفعوا الغطاء عن عينيه، وفكّوا قيده، ودعوه يوقّع، ثم سلّموه أغراضه. 


وخاطبني بقوله:


- أحذّرك.. من الذّهاب للمقهى، مرّة أخرى.


وخرجنا.. أنا و (لقمان).. وظلّ عندهم الممثّل المسرحي (طراد خليل) وصديقه.


         مصطفى الحاج حسين. 

                  إسطنبول



إني أنذرتك فاختاري بقلم الشاعر محمد عبد العزيز رمضان

 إني أنذرتك فاختاري

بقلمي الشاعر محمد عبد العزيز رمضان 

إني أنذرتك فاختاري

مابين فراقك ووصالي

إني أدمنتك فاقتربي

أحببتك حباً جباري

إني مفتون فاغتنمي

دمعي أحزاني وأعذاري

ولحبك نهر في قلبي

يا زهرةَ عمري وأقداري

ورسمتك لوحة في عقلي

في دفتر روحي وأفكاري

وحملتك بسمة في وجهي

يا سهماً هدم أسواري

بالليل أتيتك فامتحني

صبري وهيامي وإصراري

يا مجملَ وجدي فابتسمي

وكفاك كفاك الأعذاري

سافرت بعيداً عن أرضي

كى أنسى عذابك ومراري

نسيانك صعب يا نجمي

يا شمساً ملكت أسراري

وأجيبي ضعيفاً وارتحلي

بسفينة شوقي وأنهاري

عصفورة وقعت في بيتي

أحببتك كيف الإنكار

ومكثت طويلاً في صمتي

ما بين جزوع الأشجار

وكتبتك حرفاً في نبضي

يا أجملَ أجمل أشعاري

يا ماضٍ أحرق خاطرتي

لم يُطْفَئْ رغم الأمطار



فضاء المشاعر بقلم عصام أحمد الصامت

 🌹فضاء المشاعر 🌹

نور في فضاء القلب 

رفرف كالفراشة الهشة

في فضاء المشاعر المتخبطة

أحمل كل خيبةٍ وتلِفُ الأحلام

تتلاطم مع ألحان الأمل


لا أزال في غمرة تفاصيل ماضٍ

أسير بين ذكرياتٍ وأماني

وأجدني أنا... أرسم مستقبلي

بألوان الصبر والإيمان


فمهما كانت قسوة اللحظات

أصمد وأقاوم بكل قوتي

أحلّق في سماء الأمل

وأحمل قلبي مليء بالوفاء

من اكون عابر سبيل 

في عالمٍ من الجمال والألم

أنا القوي في وجه الضعف

والمحب في وجه الحسرة


هكذا أعيش... هكذا أحلم

وأنسج أحلامي بين نجوم الليل

لأبقى شامخاً وجميلاً

في زمن الحنين والتسكع على الأرصفة.

بقلمي عصام أحمد الصامت



يا يثرب بقلم الشاعر عبدالرحيم العسال

 يا يثرب

=====

من قلبي هنيئا يا يثرب

من شرق الأرض الي المغرب

من مثلك فاز بما فزت

من قرب حبيب يا يثرب

فالله تعالي قد اهدي

لثراك رسولا من يعرب

قد جاء بنور للدنيا

وإذاع الحق وذا المطلب

نبراس الحق بطلعته

قد زاد وقد زاد المشرب

قد ضم ثراك لاعظمه

فثراك معين لا ينضب

من مثلك فاز بطلعته

و ثراك تطهر يا يثرب

يا رب تقبل من عبد

وأقدر يا رب له يذهب

ويزور الهادي ومسجده

وبروضة أحمد لا يحجب

يا رب وبلغ من يرجو

لحبيبك يوما أن يكتب

وصلاة الله على الهادي

وليثرب عيشي يا يثرب


(عبدالرحيم العسال مصر سوهاج أخميم)

ترانيم صابر على البلاء *** بقلم الشاعر علي مباركي

 ترانيم صابر على البلاء *** بقلم علي مباركي


صبري على المقت في بحر جهول الرؤى 

                                غارت نواصيه سهو إنفعال القوى

لا ريب فيها تسوء الأيام وتبقى

                            فينا الهواجس تضحي ناضرة المدى 

ما ظل قلبي يداري نبرة نبضتي 

                                حتى سها عن وجود مفتر طفى

فاديته غفوة طالت سنين عمرى

                              حتى انبرى للعيان القهر بما حوى

ظلم ونهب وسبي والقتال أحتدى

                              بالقول في مهلة تحيين وعد جرى 

وعد خجول التناهي في مرامي العدى

                            منفوث عهد خبى والنور لا لن يرى

هل للصبور حقوق النقض بما قلى

                         أم صمته كان ضريعا فيه جبن جفى 

أم أنشد الخوف سعيا في حدوث المنى

                              بل تخلف كل عداء وما قد خفى


علي مباركي

تونس في 24 اكتوبر 2024

أبين زين أبين "بالعامية المصرية" بقلم الأديبة والشاعرة والكاتبة الصحفية حنان فاروق العجمي

 أبين زين أبين "بالعامية المصرية"

بقلم الأديبة والشاعرة والكاتبة الصحفية

حنان فاروق العجمي

وبكام بتشوف الودع؟

دي اللي هتقول البِدٓع

وتبٓيِّن مين انخدع

واللي اتقصقص ريشُه واتوجٓع

يمكن خير والمهم الحق رجع

بتقول بأعلى صوت

أبيَّن زين أبيَّن وأوشوِش الوٓدع

الظلم مفيش عليه سكوت

ولابد الكل يرتٓدَع

وفي اللي قلبُه هيفرح وفي اللي هيِنخَلَع

في صحرا هيملاها التوت

وناس تُحرُس بالنَّبوت

ويا ويلُه اللي يهَوِّب يا جدَع

ضربة تحُطُّه وضربة تشيلُه

وشوك ف صدرُه ينزرَع

تفرش ع الرمل حقايق

ترسم خاين ف الشر بَرَع

وهنسبَح ف الملكوت

وننهي فيلم اللي اتمَرَع

هنقضي ع الجبروت

ونحضر عرض بحيرة البجع

وتعَلَّق بإديها الزينة

ويطَق يموت إللي اتفزَع

وما يِدرَى ان فاتت سنين ولَّاا دقايق

وذهول باين ف عنيه من نور سَطَع

والقمر داخل بيوت

يزور كل مين لرَبُّه ركع

يقول للحزن معُدتش علينا تفوت

دي أعتاب الفَرْح إللي بعزمُه الشر صرَع

أَبَيَّن زين أَبَيَّن وأوشوِش الودع



مغادرون بقلم د. انعام احمد رشيد

 مغادرون

إلى العلا مسافرون

أسائحون ؟

أم هاربون ؟

هل تعلمون ياسادتي !!

إلى أين نحن ذاهبون ؟

أمقاتلون في سبيل 

الوطن الغالي مفتدون ؟

أم إلى الروك آندرول 

نحن مهرولون ؟

وطني .....

فديتك الروح ياوطني

نحن اليك أوفياء

مخلصون 

وعن أخبارك دوما سائلون !!!

وعلى الطفل الرضيع

مشفقون

وكذا الشيخ العجوز ياوطني

والحُبلى والطالب 

والجائع والعطشان

ونخلة الجيران

والتين والرمان

والنهر والريحان ...

آه ياوطني ... آه ياوطني

ياوطن الرجالات العظام 

في زمن العضام ...

لست أدري ياوطني ...

ياوطن الحضارة والعطاء

أيها الوطن الحبيب

؟؟؟؟؟

 د. انعام احمد رشيد



متمرِِّدٌ لا يطغىٰ بقلم الكاتب كَامِل عبد الحُسين الكَعْبِي

 متمرِِّدٌ لا يطغىٰ


الليلُ الذي أغلقَ نوافذَهُ

بوجهِ الصباح

كانَ يقدحُ سُبُحاتِ الوسن

وحينَ غفا أصابَهُ الأرَقُ

سأظلُّ مُرابِطاً

حتىٰ ترتخي أجفانهُ

أو أنفذُ في عينيهِ

حتىٰ تسيل من تحتِ الأهدابِ جداول

الكؤوسُ التي شربْنا بها

نخبَ طفولتنا

دائماً ما تُذكّرنا بكؤوسٍ أخر

سبقَ أنْ أخلفَتْ مواعيدَها

لكنّها تعلّمنا معنىٰ الحرمانِ

وتجعلنا أكثر حرصاً

علىٰ قيمةِ اللذّة

القلوبُ التي ملّتْ أقفاصَها

قَدْ تنشطرُ أفقيّاً

وتضعُ حدّاً فاصلاً

بينَ أرضٍ وسماءٍ

ما بينَ ضحكٍ وبكاءٍ

فينبجسُ منها بحرٌ وقفارٌ

حتّىٰ يتراقصُ النبضُ

وتنطقُ الشَفَتان

المحطّاتُ المهجوراتُ

تثيرُ شهيّتها صرخةُ الضميرِ

تدبُّ في أوصالها نفحاتُ الأملِ

لتزيلَ النتوءاتِ المتناثراتِ

هنا وهناك

علىٰ جانبي الحلم

القبورُ التي بُشِّرَ بها المرضىٰ

قَدْ تكون منصّةً لحوارٍ طينيٍّ

يسخرُ بالأثيرِ

يشاكسُ الثرىٰ

يحصي شواهدَ الأجداثِ

ويزيدُ عددَ الأحياءِ

في عِدادِ الموتىٰ

القصائدُ المتمرِّدةُ

صريرُ وجعٍ

ينفخُ في ذاكرةِ الرمادِ

يثيرُ هبوبَ العاصفةِ

يزيدُ الليلَ غموضاً

والنهارَ وضوحاً

قَدْ تُحيي وتُميت

لكنّها أبداً لا تستكين

حتّىٰ تبلغ النَزْعَ الأخير .


كَامِل عبد الحُسين الكَعْبِي

      العِراقُ _ بَغْدادُ



رغم كل شيء غزة تنتصر بقلم الكاتبة مسعوده مصباح / الجزائر

 رغم كل شيء غزة تنتصر 


في غزة طلع القمر 

أنار دربَ التضحية و الفدَاء 

في غزة بلغ الشهيد العلا و السؤددَ

في غزة كبرت الأرض و اتسعت 

و غرد الطير معلنا الموعدَ

في غزة مات الكبار و الصغار

اصبح الموت مباحا 

و القتل هدفا من العدو و مقصدا 

في غزة انتشر  الدخان 

و الحرب اشهرت نارها الموقَدة

في غزة لا سقف و لا بيت 

و لا اكل و لا ماء و لا مرقدَ

في غزة كل شيء متوفر

الا السلام و الطمأنينة و السعادة 

في غزة يموت الأطفال لشجاعتهم

و تموت الأمهات لصبرهن 

و يموت الرجال قهرا دون موعدَ

هي الشهادة تنادي أبطالها 

و الأرض يحميها الأوفياء 

صبرا و شجاعة و تجلداَ

في غزة يبتسِم الرغيف للأطفال 

و لقمة العيشِ الوحيدة المجرة

في المخيم يجتمع كل النازحين 

من كل مكان وجِدَ

في غزة الحرب اشتدت أوزارها 

و العام يمضي مثقلا متمردَ

و العرب نيامٌ في سباتهم 

الى متى هذا السبات و المرقدَ؟

أيها الخارجون عن انسانيتكم 

عن الطبيعة عن الهوية 

عن الشهامة و السؤددَ 

في غزة يشهد التاريخ 

ان الابطال هنا 

و الصابرون  لهم موعدا 

و الخيانة لا شفاعة لها 

و التطبيع إهانة 

 لكل جبان و متمردَ 


مسعوده مصباح / الجزائر



نبوءة قلبي بقلم الكاتب محمد مجيد حسين

 نبوءة قلبي … هديل الهاء

ماء الورد

في انتظار هديلها

المُتماوج كنحلةٍ غارقةٍ

في بحيرة العبور

وفي الجهة الثائرة

تعزفُ الهاء على أوتار قلبي

ينطربُ عابر السبيل

وهو يُراقب شغف محبرتي ..

ينصتُ الطفل المهزوم

في ذاكرتي

لجنون قلبي ..

وفي محطات الهوس

ما بين نهر دموعي

وينابيع الحُلمِ

وفي عرين صوتها العميق

تتأهبُ مناجلَ سمعي

لمواسم الحصاد المُنتظر

الهاء ثورة

في ظل النظام العبودي

السائد في مملكتي

الهاء روحٌ

للهزيمة الموثقةِ

في سجلات أيامي ..

صدى صوتها ينبوع

دموع يراعي ..

الهاء آخر العابرات

للعصور الكاذبة

للعصور الصادقة

للعصور العاشقة ..

صدى صوتها يشبهُ حناء الحوريات

ويشبهني في مكامن قلقي ..

محمد مجيد حسين



عنوان القصيدة ((يافاخرة )) بقلم الشاعر حامد الصغير

 عنوان القصيدة ((يافاخرة )) بقلم الشاعر حامد الصغير الحميس 24 اكتوبر 2024


 يافاخرة البلابل تمرح تغنيلك


وترقص الورود في فسيح جنانك


ويطرب الحسون على نضرتك وتذبيلك


ترفرف الفراشات في ربيع منامك


ويزهى القرعون في خمال قصيلك


يافاخرة وشايدة في حسنك وجمالك


تميلي مع لغصان هدي ميلك

 

النسيم عليل فوق غصانك


في سرب الغزلان ريت مثيلك


والفضاء الفسيح سحر الانتضارك


يرسم عليك خطوط في تلوينك


والليل صحوك والهواء شغالك


وكل نجمة لامعة تنزل تضويلك


يا باهرة وناصحة في ربوع خصالك


سنون منابت السنابل تسويلك


تغمر البهجة شموس ميامك


نبيذ لذة يلفح دليلك


ينشر اسرار العشق على بابك


لمسة ناعمة وهمسة مواويلك


يا فاخرة في انعيم قلبي مكانك


قضبان المحبة راصخة مجاديلك


انتي كل ذاك وذالك وكذالك


فتوق الحباحب بازغة في سيلك


ورودك مفرعة في حواز رمالك


نسيم ألخلاب يرڤعك ويشيلك


ارفقي بألحال راني خالك


ليأم تمضي والزمان يجيبك


دزي يافاخرة باسلامك


القلب تغذا من روايح نسيمك


تطرب البلابل نشيد بين حبابك


والشاعر القصيد رتب مخاصيلك


حامد الصغير بالقول حابك


يسلم على الصلاح وياسامعي نهديلك


ونصلي عالبدر سيد سيادك


 ويارب تغفر ذنوب عبيدك



بستان النثر والشعر بقلم محمد جعيجع

 بستان النثر والشعر : 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

قَرَأتُ النَّثرَ وَالشِّعرَ المُقَفَّى ... 

قَرَأتُ الشِّعرَ وَالنَّثرَ المُصَفَّى 

نُصُوصًا لَم أَجِد نَصًّا مَثِيلًا ... 

لِنَصِّكَ لَم أَجِد فِي الحُسنِ وَصفَا 

كَبُستَانٍ بِأَشجَارٍ وَقَد رَا ... 

قَ لِلقُرَّاءِ أَثمَارًا وَقَطفَا 

كَرَوضٍ مَا وَجَدتُ لَهُ نَظِيرًا ... 

يَفُوحُ الوَردُ وَالأَزهَارُ حِلفَا 

بِعِطرٍ نَاشِرًا مِسكًا وَطِيبًا ... 

فَرِيدًا قَد غَوَى القُرَّاءَ أَنفَا 

مَنِ اشتَمَّ الرَّحِيقَ لِمَرَّةٍ عَا ... 

دَ ثانِيَةً وَثَالِثَةً وَوَلفَا 

وَجَدتُ جَزَالَةً وَرَصَانَةَ النَّصـ ... 

صِ وَاهِيَةً وَنَصُّكَ فَاقَ حَرفَا 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد جعيجع من الجزائر – 06 أكتوبر 2024م



على نبضي ...! بقلم الشاعرة نعيمة مناعي

 على نبضي ...!


يا شادي الشوق، كيف الحرف يعتصر

تهفو الروح، بالصمت للصمت  ،ينكسر


تخال الزهر   من بين الصخر  يتبختر

شلالل عطر به المسافات شوقا ،تتعطر 


والكرى ، في حرم الصحو ،  يتصحر 

وقرص الوجه ،حسناء قوم  تتجرجر


والغزل محار ، بين المبسم ،،يتحرر

يراود البعد  بالقرب  لينا ، فيختصر 


فيعانق النبض  النبض  ، هالات نور 

تغمر الجوى ، فينزاح  الفقد  ،لتعمر


 و ينبثق الحلم  شلال  بشرى  لفجر 

نام في  حضن الردى  دهرا ،  ليندثر


يسامر البعد قربا،  بلين الحب ينتصر

فيغفو الحنين كنبض لفرطه ، يحتضر 


بقلم نعيمة  مناعي



" من أوراق شهيد " بقلم الكاتبة فاطمة حرفوش سوريا

 "  من أوراق شهيد "

حزين قلبي كوجه غزة 

لكن عزمي يفيض قوة 

برغم الجراح وعصف الرياح 

وهول المصاب  .. سنكتب قريباً 

بمداد الدماء بلادي الحبيبة 

أصبحت حرة

لا السجن الطويل كسر إرادتي

ولارهبة القتال ولا وحشية 

 السجان أو وجع الليالي

من يدي هدر الطوفان

هازئاً بسطوة الجزار 

ومتسلحاً بقوة الإيمان

وأنا فاتحٌ للسماء ذراعي 

راكباً صهوة الإعصار

أصبُ جام غضبي فوقه

لاإرهابه يعيقني

ولا قسوة الحصار

أقاتله بكل ما أوتيتُ

من قوةٍ وبأسٍ بساح الوغى

وجهاً لوجهٍ بحالي .. أبداً لا أبالي

إن أُصبتُ وغرقت يدي بالدماء

أرميه بما تيسر

فلن أموت إلاحراً .. قوياً 

مثلما تشتهي ريح الأماني

أبياً عزيزاً قابضاً على الجمر

شامخاً كذرى الجبال

أسطرُ ملحمةً للبطولة 

وأغدو إسطورةً للكرامة

تُروى على مر الأجيال

أذيق عدوي طعم الذل والهوان

وأرمي كبرياؤه بلظى النار

قسماً برب العزة والعباد

إن إرتقيت يوماً وعانق 

الثرى جسدي الشهيد

وضمه بكل حنان

ستظلُ روحي تهتفُ بملء

روحها جهراً وتنادي

حيَّ يافرسان الكرامة والإباء

على الجهاد  

  . . . . . . . . . . 

بقلمي فاطمة حرفوش سوريا



** عَلَى فَنَن الإباء ** شعر/ نهى عمر / فلسطين

 ** عَلَى فَنَن الإباء **

شعر/ نهى عمر / فلسطين


بِلادُ الأرزِ لا تَبكي رُباها

إذا ليلٌ عروسكِ قد دَهاها


فإنْ نامَت عُيونُ الحُسنِ يوماً

يَعودُ الحُسنُ يُشرِقُ مِن بَهاها


بِبَيروتُ الثَقافةُ والأغاني

وفيروزُ الأصالةُ .. مِن سَناها


عَلَى فَنَنِ الإباءِ وَديعُ غَنّى

فَريدٌ قالَ، والرَحبانُ باهَى


وكَرمُ اللوزِ والرُمّانُ يُصغي ..

لِأنغامِ الدَوالي .. يا حَلاها


فإن عَصَفَت شُرورُ الإنسِ غِلّاً

تَقومُ بِشَعبِها تَحمي حِماها


وبيروتُ الصِبا عِقدٌ تَدَلّى

بِعُنقِ الشَرقِ .. زينَتُهُ شِفاها(شفاءها)


تُخاصِرُ بَحرَها .. حَضَنت جبالاً

جِباهٌ ما انحَنَت .. صَدّت عِداها


على وَقْعِ النِضالِ تَثورُ أرضٌ

يَهابُ الذئبُ .. يُرهِبُهُ لَظاها


تَرَبَّصَ زائفاً .. لِيَعيثَ فسقاً

وربُّ الكونِ أكرَمُ مَن حَباها


مَزاياها تَعَدُّدُ مِن جُمانٍ

مُقاوَمَةٌ تَأَلَّقُ في إباها (إبائها)


تُجاوِرُكِ السَليبةُ في شُموخٍ

مَآقيها، ودَمعُكِ قد مَلاها


تَحَرَّقُ من جِراحِكِ، والغَوالي

شَآمُ المَجدِ، واليمَنُ انتَضاها ..


سُيوفَ العِزِّ في زَمَن التَرَدّي

جُموعُ العُربِ تَقصُفُها بَلاها (بلاءها)


قُبيلَ الخلقِ .. بالأكوانِ كانت

عراقُ الأصلِ تَرفلُ في رَخاها (رخائها)


فلا تَهِنوا إذا مَرّت عِجافاً ..

مَواسِمُ ثأرِنا تأتي وَراها


فَرادى لا يُبارِكُهم إلهي

يَدُ المَولى .. ولِلجَمْعِ اجتَباها


صَهايِنَةٌ يُوَحِّدُهم طُموحٌ

وأعرابٌ يُشَتِّتُها غَباها (غباءها)


يُضامُ الشَعبُ، فالخيراتُ طارَت

فحُكّامُ النَذالَةِ مَن سَباها


إلى أيدي الغريبِ .. يَجودُ شيخٌ

مَعَ الأُمَراءِ حَطّوا من عُلاها


يَبيعونَ القَداسَةَ دونَ عهدٍ

خُمورٌ ، والغواني .. أبدَلاها


كَفانا يا بلادُ ضَلالَ رأسٍ

بِنا نَمضي لِنَنسِفهُ بِغاها


دَعوا الأحقادَ في جُبٍّ سَحيقٍ

سُيولُ الحُبِّ تَجلِبُهُ رُقاها (رُقِيها)


طَوائفكم .. مَذاهبكم .. إليكم

سَيفنينا التَحَيُّزُ في هَواها


إلى التقتيلِ قادَتكُم عُقولٌ

إلى التَقسيمِ تَجرفكم خُطاها


عُهودُ وِصالِنا بِرِباطِ ودٍّ

مَواقيقٌ .. بِها عُصِمَت عُراها


إذا التوحيدُ والأوطانُ فينا

فَلَن نَشقَى خِلافاً في ثَراها


نُعَمِّرُها صُروحاً لا تَهاوَى

لَنا الدنيا .. وَخَيمَتُنا سَماها.



**صفحات-من-عمري** بقلم الكاتبة عائشه ساكري تونس

 **صفحات-من-عمري**

 

---الحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات المتداخلة، تتسارع الأحداث وتطوى السنين وكأنها صفحات تتساقط من كتاب لا يتوقف عن التدوين. وأنا، أسير بين تلك الصفحات، أتأمل عمري الذي يمضي في غمضة عين. كل يوم يبدو لي وكأنني أعيش ولادتي آلاف المرات، وأجتاز خط العمر بخطى مترددة في ذاكرتي. أحيانًا، أتساءل كيف يمكن لكل هذه التفاصيل أن تتداخل، وكيف ألاحق أحداث الماضي وأكتبها على أوراق الذكريات. أجمع بعض الفصول وأترك الأخرى خلفي، وكلما مضيت في طريقي، أدرك أنني لست سوى شخص ينثر نفسه على أبواب الزمن، محاولًا التمسك بآثار الحياة رغم ما مضى.


أتسلق جدران النسيان، وأجد نفسي أحيانًا أنتمي إلى فراغ لا يعترف بالزمن. أركل حياتي كما يركل لاعب كرة مشتعلة، أحاول تجاوز اللهيب دون أن أحترق. وفي صراعي مع الحنين، أرميه بألف جمرة ملتهبة، ولكن يبقى القدر هو الوحيد القادر على إخماد تلك النيران. ومع ذلك، أضيء المستقبل بشعلة الأماني والوعود، أحمل في قلبي بريق الأمل، وأمضي قدمًا نحو ما هو قادم، مهما كانت العثرات.


ثم بنظرة واحدة، وجدت ما لم أبحث عنه طوال هذه الرحلة. نظرة أحيت قلبي التائه بين الصور والأحلام الضائعة. وكأنني كنت أبحث طويلاً عن نفسي في معرض الأيام، حتى أتيت بأجمل ما تصورته من صور. هناك، في عمق عينيك، وجدت الوطن الذي يأخذني إلى زمن القلوب النقية، إلى أفراح هجرها الزمن. النظر إليك يا الأنا، يشبه رؤية أول خيط من نور الفجر، فيه يقين وراحة لا نهاية لها. حب سرمدي لا يمسّه الزمن، حب يعانق الروح وينير القلب.


خيال يطوف حولي، ينثر عطرك الممزوج بفرحي، فيملأني ببهجة لا توصف. تتسارع نبضات قلبي كطائر عانق قدره ونسى قسوة الأيام في حضنك الدافئ. عطرك يندمج مع لحظاتي، يفوح مغردًا في حقول أيامي وكأنني ولدت من جديد، وكأن العمر الذي مضى كان مجرد تحضير لما سأعيشه الآن، بجانبك، في عالم مليء بالحب والنقاء.


في كل لحظة تمر، أجد نفسي أكثر التصاقًا بتلك الصفحات التي تدون قصتي. ربما تتسارع السنين، ولكن في كل طيف من الذكرى، وفي كل نظرة حب، أكتشف أن الزمن لا يمضي حقًا، بل يتشكل على هيئة لحظات خالدة، نعيشها ونتأملها. وعند النظر إلى المستقبل، أرى شعلة الأمل لا تزال تضيء طريقي، وعطر الذكريات يرافقني أينما ذهبت.


فالنظر إليك يا عائشة، هو خيال يطوف حولي، ينثر عطرك الممزوج بفرحي، فيملأني ببهجة لا توصف. تتسارع نبضات قلبي كطائر عانق قدره ونسى قسوة الأيام في حضنك الدافئ. عطرك يندمج مع لحظاتي، يفوح مغردًا في حقول أيامي وكأنني ولدت من جديد، وكأن العمر الذي مضى كان مجرد تحضير لما سأعيشه الآن، بجانبك، في عالم مليء بالحب والنقاء.


عائشه ساكري تونس. 23_5_2022

Pages de ma vie


La vie n'est qu'une série de moments entrelacés, où les événements s'accélèrent et les années se plient comme des pages tombant d'un livre qui ne cesse de se rédiger. Moi, je marche entre ces pages, contemplant ma vie qui passe en un clin d'œil. Chaque jour me semble comme si je vivais ma naissance des milliers de fois, et je traverse la ligne du temps avec des pas hésitants dans ma mémoire. Parfois, je me demande comment tous ces détails peuvent se mêler, comment je peux poursuivre les événements du passé et les écrire sur les feuilles des souvenirs. Je rassemble certains chapitres et laisse d'autres derrière moi, et plus je progresse sur mon chemin, plus je réalise que je ne suis qu'une personne éparpillée aux portes du temps, essayant de m'accrocher aux traces de la vie malgré le passé.


Je grimpe les murs de l'oubli, et parfois je me trouve appartenir à un vide qui ne reconnaît pas le temps. Je donne des coups de pied à ma vie comme un joueur de football aux prises avec une balle enflammée, essayant de dépasser les flammes sans me brûler. Dans ma lutte contre la nostalgie, je lui lance mille braises ardentes, mais seul le destin est capable d'éteindre ces feux. Cependant, j'éclaire l'avenir avec une flamme de souhaits et de promesses, portant dans mon cœur l'éclat de l'espoir, avançant vers ce qui vient, peu importe les obstacles.


Puis, d'un seul regard, je trouve ce que je n'ai pas cherché tout au long de ce voyage. Un regard qui réveille mon cœur égaré entre les images et les rêves perdus. Comme si j'avais longtemps cherché à me trouver dans l'exposition des jours, jusqu'à ce que je découvre les plus belles images que j'ai imaginées. Là, au fond de tes yeux, j'ai trouvé la patrie qui me transporte vers un temps de cœurs purs, vers des joies oubliées par le temps. Te regarder, ô mon âme, ressemble à voir le premier fil de lumière de l'aube, avec une certitude et un repos infinis. Un amour éternel que le temps ne touche pas, un amour qui embrasse l'âme et éclaire le cœur.


Une vision flotte autour de moi, répandant ton parfum mêlé à ma joie, me remplissant d'une allégresse indescriptible. Les battements de mon cœur s'accélèrent comme un oiseau ayant embrassé son destin, oubliant la dureté des jours dans ton étreinte chaleureuse. Ton parfum s'intègre à mes moments, flottant comme un chant dans les champs de mes journées, comme si j'étais né à nouveau, comme si le temps écoulé n'était qu'une préparation à ce que je vais vivre maintenant, à tes côtés, dans un monde rempli d'amour et de pureté.


À chaque instant qui passe, je me sens de plus en plus attaché à ces pages qui racontent mon histoire. Les années peuvent s'accélérer, mais dans chaque souvenir, dans chaque regard d'amour, je découvre que le temps ne passe pas vraiment, mais se forme sous la forme de moments éternels que nous vivons et contemplons. En regardant vers l'avenir, je vois la flamme de l'espoir continuer à illuminer mon chemin, et le parfum des souvenirs m'accompagne où que j'aille.


Te regarder, ô Aïcha, est un rêve qui flotte autour de moi, répandant ton parfum mêlé à ma joie, me remplissant d'une allégresse indescriptible. Les battements de mon cœur s'accélèrent comme un oiseau ayant embrassé son destin, oubliant la dureté des jours dans ton étreinte chaleureuse. Ton parfum s'intègre à mes moments, flottant comme un chant dans les champs de mes journées, comme si j'étais né à nouveau, comme si le temps écoulé n'était qu'une préparation à ce que je vais vivre maintenant, à tes côtés, dans un monde rempli d'amour et de pureté.


Aïcha Sakri, Tunisie. 23/05/2022

القُدْسُ وغزَّةُ والسِّنْوارُ بقلم الشاعر محمود بشير

 القُدْسُ وغزَّةُ والسِّنْوارُ


يا (قدسُ)(غزّةُ)تصنَعُ الأمْجادَا

           مِنْ أجلِ صَوْنِكِ ثَوَّرَتْ آسَادَا


قامَتْ بِغاراتٍ لتُعلِنَ حربَهَا

              قامَتْ بِهَا واستَنْفَرَتْ عُبّادَا


(سِنْوارُ) قائدُهُمْ وقدْ صَلَّىٰ بهِمْ

            قد قاَدَهُمْ شَلَّ العَدُوَّ وعادَا


(سِنْوارُ) أقسَمَ أنْ تعودِي حُرَّةً

        (أقصاكِ) لنْ نرْضَىٰ بهِ الأوغادَا


اَلْ(غزَّةُ) الشَّمَّاءُ ما لانَتْ ولا

              ذَلَّتْ وكانَ عطاؤُهَا قدْ زادَا


ورجالُهَا رغْمَ الحِصارِ ضَراغِمٌ

                ونساؤُهَا مَنْ رازَهُنَّ أشَادَا


لا تقنَطِي "فالله ُخيْرٌ حافِظاً"

        مهمَا ابْتُلِيتِ غداً تَرَيْنَ حَصادَا


الله ُقدَّرَ ما أصابَكُمَا الأذَىٰ

                    إلاَّ وسخَّرَ أُسْدَنَا أجنَادَا


يسْعَوْنَ في رَدِّ الغُزاةِ جحافلاً

           يقْضُونَ في دَحْرِ العدُوِّ مُرادَا


هُمْ من لهُمْ (يا قُدُسُ) أنبَلُ غايَةٍ

        هُمْ مَنْ بِهِمْ نَسْتَرْجِعُ الأمجادَا

      

 محمود بشير

2024/10/24