الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

اضاءات حول..الخطاب النقدي العربي الحديث بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 اضاءات حول..الخطاب النقدي العربي الحديث

الإهداء: إلى أساتذتي الأجلاء د-محمود أمين العالم.د-غالي شكري والأستاذ أبو زيان السعدي..دتوفيق بكار..في رحيلهم الشامخ..لأرواحهم الطاهرة..ألف سلام..
تصدير:
النص النقدي الحديث يتموقع في خانة التقصير-التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم،وهذا يقتضي منه “النضال” بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء،لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق..(الكاتب)
ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب “هكذا يقال..الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين ” قيل أيضا،لكن أليست علاقة الأدب بالنقد،علاقة الندية و التكافؤ والأسرة الواحدة!؟ ثم ألا يجوز القول بأن “حضور” أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر،وإن كان غياب “الأدب” يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟ ثم أولا و أخيرا : ألم يحن الوقت بعد،لصياغة عطاء نوعي و مستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن ” العفوية ” التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن ” التقصير ” في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد اكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية :
تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب ” المناهج ” التي تضبط ايقاع هذه الحركة مما يعني التقصير في إكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا،أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية،والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية و المسرح و القصيدة و القصة القصيرة من ناحية أخرى . وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الأكتشاف المزدوج ” نقد النقد ”و هذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع “إستراتيجية”نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس و الإضاءة (1) ” لا سيما أن هذا النقد ( نقد النقد ) هو نقد للذات كما أنه نقد للأخر،وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا المحورية،وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.
و من هنا فالنقد مدعوّ الى ” الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية ،وإجتراح المصطلاحات والمفاهيم الملائمة لها و السعي إلى غايات مستقلة بها(2) ” مما يعني أن النقاد-مدعوون-إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية،ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي،ناهيك و أن التطبيقات البنيوية و التفكيكية و غيرها موغلة في الغموض و التعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.
ضمن هذا السياق علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية،ويردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى..
كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة و الإحتفال بها فقط عندما تتحول إلى مؤسسات،أي بعد أن تكتمل و لا تعود هي أو القراء إلى النقد،هذا في الوقت الذي بتناسى فيه النقاد.
إني أتكلم هنا عن ” النقاد الأكادميين ”بالمعني المدرسي للإصطلاح،لا عن أشباه-النقاد-ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين-أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة و المجتمع.و الإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة و لا حتى ” واجبا ” بالمعنى الأخلاقي و إنما هو اكتشافا لظاهرة ثقافية-اجتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه. اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.
أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل(تكتلات) غير بريئة،ما فتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة( ….) في الشعر و القصة و الرواية أصناما تعبد وتمجّد،وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم (!).
وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء و المواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية-هنا و هناك-كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة..
ما أريد أن أقول ؟
أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية-اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب او ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا،أو لأن أدبه لم يحقق مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء،أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه،في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (…).
ليست هناك ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد،طالما أنها “ظاهرة” وطالما اننا ندعي الإهتمام بالمتلقي.وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا “نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي-الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية”(3)
استتباعات :
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير-التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم،وهذا يقتضي منه “النضال” بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء،لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق..
على أية حال،بقليل من التفاؤل وبمنآى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول : إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سوى بتحويل مجموع اجتهاداته إلى “حركة من تيارات” لا مجرد التماعات فردية،أو بإقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية،أو بإلتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.و مع ذلك فليست النيات-على طيبتها-هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة،بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية،وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول،و مدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه..
و تظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر،حتى أنها ” تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى..الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى إحتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور (4).
على سبيل الخاتمة :
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة.كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي و ينآى عن التضخم النرجسي و الأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات..
و أخيرا،فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد،بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع،منذ فجر النهضة إلى مغيبها.
وكل ما أقصده هنا،أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات،إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في ” ثورة ثقافية ” تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم.
وما على النقد الأدبي-كفكر و فن وعلم-الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه-الثورة الثقافية الشاملة-كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال..
محمد المحسن
الهوامش :
1-زهرة الجلاصي :أنظر مقالها المنشور بمجلة الآداب-البيروتية- العدد 12/11 –ص 100
2-سامي سويدان-المرجع السابق-ص 54-بتصرف طفيف.
3- الدكتور المصري الراحل-غالي شكري-عن كتابه :سوسيولوجيا النقد العربي الحديث-ص257.
4- د. غالي شكري-ذُكر سابقا-ص223-بتصرف.
Peut être une image de 1 personne et texte


اعتذار الأحبّة بقلم الأديبة غزلان البوادي حمدي تونس

 اعتذار الأحبّة

رأيتُكَ شمسًا بنورٍ جليلْ
وضوءُكَ يغمرُ دربَ السبيلْ
وفي القلبِ حبٌّ يُضيءُ الحياةَ
ويَمنحُ عمري أملَ المُستحيلْ
أيا مَن هواكَ بقلبي استقرَّ
وعشقي لِودِّكَ عَهدٌ طويلْ
أُقدّمُ عذرًا إذا ما جفوتُ
كلامَ الهوى في زمانٍ عليلْ
فأنتَ البهاءُ وروحُ الوفا
ووجهُكَ بدرٌ بطيفٍ جميلْ
فكيفَ أُلامُ وحُبِّي صريحٌ
يرودُ خيالي كغيمٍ ثقيلْ
أُحبُّكَ حقًا وهذا اعترافي
وحبُّكَ نبضٌ بأفقٍ ظليلْ
فلا تعتب إن قصرتُ الكلامَ
فشوقي إليكَ دليلٌ جليلْ.
الشاعرة الأديبة غزلان
البوادي حمدي تونس
Peut être une image de 2 personnes

يا لغيابٍ طال بقلم د. محفوظ فرج المدلل

 يا لغيابٍ طال

يا لغيابٍ طالَ
قَضَيْنا العمرَ لنا أملٌ عودةَ
أحبابٍ حضروا في يقظتِنا
والأحلام
قيل بأنَّ الغابرَ لا تسألْ عنهُ
وسلْ عن حاضرِنا والمستقبل
قلتُ .. حتى الوردِ الذابلِ
حين أراهُ
على مَرِّ السنواتِ
يظلُّ بذاكرتي
حزنٌ يوجعُني ذكراهُ
شكلاً لوناً رائحةً عابقةً
ليس تزولُ
فكيفَ أغادرُ أحبابي
أحبابي الأرضُ دَرَجْتُ على فسحتِها
بينَ الأقرانِ الخلّانِ
أحبابي الجدرانُ تحدّثُني
عن قابلِ أيّامي
ترسمُ لي جنّاتٍ
وأنا متكئٌ أتطلَّعُ فيها بين زواياها
أحبابي نقْلُ خُطايَ من الميدانِ
إلى البابِ الشرقيّ
كأنّي مُلِّكتُ الدنيا وبجيبي
بضعُ دراهمَ
أحبابي أمنٌ وسلامٌ
أغلى مما يخطرُ
في البال
أحبابي وجهٌ يومئُ بالبسمةِ
حين أمرُّ وقد حُفِرَتْ في ذاكرتي
بعثرني فمضى يُسْلمُني شجرُ
البلوطِ إلى شجر ٍ
في منعرجاتِ الجبلِ الأخضر
في شحّات
كالباحثِ عن سليفيومِ الحلمِ
وأرى وجهِكَ ثانيةً
بعدَ سحيقِ الأعوامِ
دَرَسَ المُتَفضِّلُ بالدرس
وشاخَ المُتَلقّي لم تنفعْ كلُّ فضائلِهِ
الا ما شاء اللهُ
همُ الأملُ المُتَجدّدُ
أبقى بعضَ بَصيصٍ
آخرَ نَفَقٍ تَمتَدُّ نواظرُنا نحوَه
د. محفوظ فرج المدلل
Peut être une image de feu, arbre, herbe, route et brouillard

"الجرجار " بقلم الكاتب نصر العماري

 "الجرجار "

بقلم نصر العماري
اجهشت بالبكاء، وهوت عليه تقبّل قدميه ،فاسرع اليها يلتقطها ويُبعد قدميه عنها لاهجا:
استغر الله، استغفر الله يا عايشة ...
فالتقطت يديه واخذت تقبّلهما وهي تردّد:
" يا سيدي الشّيخ جيتك وما تردنيش خايبه "
امسك بها الشيخ واجلسها وهو يُطمئنها :
ان شاء الله حاجتك مقضيّه.
كان وقورا ذا لحية بيضاء كثيفة،
يُمسك بمسبحة من العنبر ويرتدي "جبة سواكية اللون "
اما هي فقد كاد الزّمن ينال منها لكنّها مازلت امراة وسطا سمراء البشرة تظهر خصلات من شعرها الفاحم من تحت شالها الصّوفي .
كان ينظر اليها في تعجّب وكانت تنظر اليه في في رجاء،
ومالبثت ان رفعت صوتها منشدة :
"برّه وايجا يا الفارس ..
.يا الفارس ياه..
ما تردّ اخبار ع الجرجار..
يا عالم الاسرار صبري لله ."...
صرخ الشيخ في لهفة وتأوه
كيف ؟ كيف ؟ اوتعتقدين ذلك فيّ... استغفر الله... استغفر الله
يا عايشة ...
فاسرعت ووضعت كفيّها على ركبتيه وهوت تقبّلهما وهي تردّد:
إنّما جاهي بك كبير، وان لله رجالا...
وقد وعدتني، قُلتَ" حاجتك مقضيّه"...
اجابها الشيخ وهو يُحوقل :
لا حول ولا قوّة الا بالله ، انت تطلبين المستحيل.
- ابدا، لا مستحيل على الله ، انا امرأة ثكلى .. والله غنيّ على العالمين.
- ونعم بالله يا عايشة، ولكن طلبك لم يسبق اليه احد، عليك ان تصبري
وان تحتسبي ذلك عند الله ...
رفعت عائشة رأسها وهي تقول:
انت سيدي ، جدّي محرز ، حرز العليّ القدير الذي ادين له بالطّاعة والولاء . الكلّ يعلم ان لك كرمات، فلولاك لما كانت هذه المدينة الخضراء.
اجابها الشيخ وهو يمرّر حبات مسبحته بين اصابعه:
- لكنّك، تركبين الصّعب يا عائشة
كيف تريدن مني ان...
قطعت عليه قوله معتذرة تريد ان تهدِّئ من غضبه مستحلفة ايّاه بالله العظيم ان لا يغضب منها وان لا يطردها من فسيح كرمه وسعة صدره...
حوقل الشيخ محرز من جديد ورفع يديه يستغفر و يصلّي على النبيّ ويطلب لها الهداية والصّبر.
نظرت اليه عائشة والدّموع تنهمر من عينيها المتورّمتين .
- انما اطلبه ليس على الله بعزيز
- لكني ، يا عايشة ، انا عبد من عباد الله، انا الفقير الى ربه . ما حيلتي .
- بل تقدر و تستطيع، الم يقل تعالى:"الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون."
فاسرع الشيخ قائلا:
- صدق الله العظيم ، صدق الله وجلّ في علاه ، ولكنّي اعرف قدري..
واضاف :
يا مسكينة ، انا لست عيسى عليه السلام او نبيا من انبياء الله ...
- ولكن العلماء ورثة الانبياء، وانت يا سيدي محرز اجل علماء هذه الأمة واكثرهم بركة.
- يا عائشة اتقي الله ودعي "الجرجار" وشأنه. دعيه ، انه ميت الآن دعيه يستريح.
صرخت عائشة وهي تولول :
وي ..وي.. سيدي ومولاي لا تقل ان الجرجار ميّت .. لا لا "الجرجار" لم يمت ...
هدأ الشيخ من روعها وناولها قدح الماء لتشرب قائلا؛
على رسلك انما هو حيّ، حيّ في دار الآخرة.
وصدق تعالى في محكم تنزيله حين قال" ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون".
قطعت عائشة شربها للماء وهي تكاد تموت عطشا من شدة النّحيب والبكاء لتسرع في القول :
هذا ما اريد هذا .. ما اريد .. وليس هذا على الله بعزيز .
فأجابها الشيخ بعد ان ناولته قدح الماء،وقد كادت تحتسي نصفه.
- دعيه بجوار ربه ينعم بالجنّة لماذا ترين عودته لهذه الدار الفانية؟ .
دقّقت عائشة النّظر في الشيخ ومدّت يديها لتسترجع القدح ، وقد شعرت برغبة كبيرة في شرب الماء من جديد
لعلّها تبرّد نار الشوق واللّوعة . فناولها سيدي محرز القدح ثانية ودعاها للجلوس، وقد كانت هبّت واقفة ، ففعلت وهي تردّد:
ابدًا ابدًا ، يا سيدي محرز ، لا بد ان تُعيد لي ولدي .. لا بد ان تعيد لي ولدي ...
وضعت عائشة يدها على خدّها واخذت تترنم منشدة و صوتها يرتجف من شدة التأثر:
برّه وإيجا ما ترد أخبار..
على الجرجار، يا عالم الأسرار،
صبري لله..
عييت نمثّل في وشامك،
حطو الرّميه فيك..
بين الكرومه والعنقر،
بعينينا احنا شُفنا.. وأحنا صُحنا،
اللّي غدرنا فيك ولد الحمدي..
واللي جرحنا فيك يجرح قلبه
يامة ضربوني.. يا حليلي يا آمه، والضّربة جاتني على القُصّة،
خلوني نبكي بالغصة..
لا إله إلا الله،
يا عالم الأسرار..صبري لله".
كان الشيخ يسترجع ذكريات هذا الشّاب الذي يُكنى الجرجار
شاب تحدى الاستعمار مع مجموعة من الاهالي حتى تم القبض عليه على اثر وشاية من احد القوّادة المطبعين مع قوّات الاحتلال.
التي نفذت فيه حكم الاعدام وقطعت راسه بالمقصلة التى انتصبت في ساحة باب سعدون ...
انفجر الشيخ صارخا :
كفي يا عائشة ...
فلم تفعل ولم يجد الشيخ امرا يسكت به هذه المسكينة .
وفجأة التفت نحو طشت نحاسيّ يستعمله للوضوء.. امسك به وهو يردّد :
ارايت هذا الوعاء .هذا الوعاء يا عائشة ... ان استطعتِ .. ان استطعتِ ...
نهضت عائشة مسرعة وامسكت بطرف جبّة الشيخ و هي تتفرس
في وجهه قائلة:
- استطيع استطيع .. .قل يا شيخ البركات، قل يا سيدي محرز ...قل ماتريد ...
- اسمعي يا عائشة، ان استطعتِ ان تملئي هذا الوعاء دموعا وتسبيحا عاد الجرجار اليك ...
ردّدها الشيخ اكثر من مرّة وجبينه ينضح عرقا ...
وكانت عائشة في كل مرة، تقول افعل افعل يا سيدي والشيخ يدقق النظر ويحملق فيها وكأنّه يحثها على قول او فعل شيء الى ان قالت:
افعل ان شاء الله
- افعل .. افعل يا سيدي محرز املؤه دموعا .
ساعتها سكت الشيخ وهدأ وسلّمها الطشت وجلس .. وهو يردّد:
ان شاء الله.. ان شاء الله يا عائشة دائما قولي ان شاء الله.
امسكت عائشة بالطبق النحاسيّ وقبّلته سائلة:
سيدي ، افعل ان شاء الله املؤه دموعا ولكن كيف املؤه تسبيحا؟
- يا سبحان الله، مع كل دمعة تنزل في الطبق، تقولين سبحان الله ... اتفهمين ... تملئين الوعاء ...
تناولت عائشة الطشت بشغف. وضعته في حجرها وامسكت به بكل حرص بكلتا يديها . ورفعت عقيرتها بالبكاء..
رفعت صوتها وشرعت في النّحيب ، و هي تستحضر في كل لحظة صورة الجرجار، منذ ولادتها له بل منذ حملها فيه، الى ان رأت جنود الاحتلال يحضرونه الى ساحة باب سعدون وكيف قطعوا قلبها مع راسه امام عينيها وامام زهاء الالف والنّصف من التونسيين...
لاحظت عائشة ان بكاءها جاف كعويل ريح عقيم . عصرت عينيها اغمضتهما وفتحتهما اكثر من مرّة، وضعت كفيّها عليهما مسحتهما ، اعادت الكرّة واعادت، تفرّست في راحتيها نظرت الى اصابعها ، انها جافة، مسحت الطّشت، لا شيء، لا اثر للبلل، تساءلت اين الدّموع؟ اين الدّموع ياربي..؟
هل نضبت الدّموع من رأسي؟ تساءلت ثانية كيف لها ان تملأ الطبق ؟ صرخت عائشة بأعلى صوتها صرخة مدوّية وجدت نفسها على اثرها في فراشها، على سريرها الخشبيّ في غرفتها الوحيدة، وحيدةَ كما كانت منذ رحيل الجرجار وعليها "عبانتها الصّوفية". المصباح مازال مشتعلا كما اشعلته عند المغرب.
هل كانت تحلم ؟ استغفرت وحوقلت...
انزلت ساقيها على حافة سريرها
ردّدت: هل كُنت احلم .. اين سيدي محرز ؟ ، والطشت ، اين الطشت؟
بحثت من حولها بحثت تحت الغطاء ، لكن لا شيء.
مدّت يدها لقمصان الماء، شربت اكثر من جرعة وهي تجول ببصرها في الغرفة، لا شي تغيّر .. عادت ورفعت رجليها وسحبت الغطاء عليها. ادركت انها كانت تحلم ...
فجأة سمعت طرقا خفيفا على الباب ، كذّبت اذنيها وحاولت ان تستدعي النوم فمن سيطرق بابها وقد مضى من الليل الكثير ؟ .
لكن الباب يُطرق من جديد بصوت مسموع ...
لم تجد عائشة بُدا من قول"
من؟.. من بالباب ؟"
امام الطرق المتواصل.
واذا بها تسمع
"انا ، انا ياامي افتحي، انا الجرجار".
هبت عائشة من فراشها قفزت واقفة؛
احسّت ان قلبها عاد اليها ؛ ودموعها عادت اليها؛ ضحكت؛ اسرعت نحو الباب ؛ همّت بفتحه لكنها توقفت ، تذكرت ان الجرجار مات وفُصلت راسه عن جسده ؛ لاحت لها صورة سيدي محرز كأنه يريد ان يقول لها شيئا، تذكرت الطشت؛ لكنّها لم تملأه دوعا او تسبحيا.
استغفرت ردّدت :انه حلم.. حلم .. لكنّها مؤمنة ان الله على كل شيء قدير و ان سيدي محرز صاحب بركات ... الطّرق مازال متواصلا . مدت عائشة يدها للمزلاج، ازاحته الى الوراء وفتحت الباب .
وقفت متخشبة في مكانها فاغرة الفم عيناها تكاد تخرجان من محجريهما ، وكاد لسانها ينعقد، لكنها تراجعت الى الخلف وهي تردد
: لا لا انت لست الجرجار ، لست ولدي ...
دققت النظر ،تأكدت ، تراجعت الى الخلف اكثر ،صرخت : عرفتك..
انت "ولد الحمدي" ... نعم" انت ولد الحمدي "...
انتهت.
Peut être une image de 1 personne, sourire, lunettes et texte

أشتاقكَ أكثَر بقلم سيرين الرياحي

 أشتاقكَ أكثَر

********
لا تقلُبْ شفاهَك تعجُّباً
ولا تُتمتِمْ: هذا كلامُ شِعرٍ لا أكثر
جنوني مُعقلا
وأبياتُ شعري تهدُّ كلّ جدار
وتبُثُّ الحياةَ في شرايين أزهار
لا أبني قصوراً في الهواء
بل أبني البيوتَ بما تيسَّر
لو نثرتُ حروفي على اليباسِ أزهَر
...الخيالُ خمّارتي
أحتسي منها حتى أسكَر
ما غادرتُ الوعيَ يوماً
وما في نبضي حُلُمٌ تكسَّر
نحن أطفالٌ وإن كنّا في الأعمار نكبَر
نحن عشاقٌ وإن حلَّ الشيبُ فينا وتأمَّر
***********
بقلم : سيرين الرياحي (تونس 🇹🇳 )
Peut être une image de 1 personne et foulard

فوانيس بحرية نص -حين يزهر الصبار ياسمينا... بقلم الكاتب خالد عارف حاج عثمان. سورية.

 فوانيس بحرية

نص
-حين يزهر الصبار ياسمينا...
حزين هو الحالم...
إذ يتصحر حقل أحلامه..
تغدو رياضه صحراء قاحلة...
لكنه لاييأس
جهدا..ولايألو...
دائب
يبحث عن غرسة ورد
مستنبتاُ من صبّاره ياسمينة أو زهرة
عن همسة لحلمه
وقبلة
بقلمي خالد عارف حاج عثمان. سورية.
Aucune description de photo disponible.