الثلاثاء، 28 أبريل 2020

صدمة🌺..قلم 🌺 ناهد الغزالي

صدمة

كنت في شرفتي أسقي ريحانة الأصيص علني أحميها من لظى يوم قائظ، حينها لمحت شاحنة محملة بالأثاث تتجه ببطء  نحو بنايتنا.
فركت شعري، وتراجعت للخلف.
- إنهم جيراننا الجدد، لقد أخبرني العم صالح حارس البناية الليلي بذلك.
طلبت مني أمي مساعدتهم في ترتيب البيت لاسيما وأن الطقس حار جدا.
ذهبت مسرعة  على  الدرج، ومن الأعلى كانت أمي توبخني" ستموتين لو سقطت"
ضحكت، دون أن أجيبها.
ترددت في بادئ الأمر، ثم رحبت بهما عارضة عليهما المساعدة.
حدجتني السيدة بنظرات غريبة، كانت تبدو خائفة مني. لم تتفوه بحرف أما زوجها تشكرني ورحب بي بحفاوة.
ساعده سائق الشاحنة في إنزال الأثاث الثقيل.
أما أنا أخذت مواد التنظيف واتجهت نحو الغرف، ألمع البلاط، أمسح الغبار على النافذة، وأرتب الأغراض الخفيفة.
استغربت غموض الزوجة. منذ نزولها وهي صامتة.
وأخيرا تكلمت، هاهي تنادي على أطفالها. "سامر، أحمد، ريان" لا تغادروا الشاحنة حتى ننهي ترتيب المنزل  .لكنهم لم يجيبوا.
طلبت منها أن تتركهم في بيتنا. لكنها صاحت مدوية"لا لا لاااااا".
شعرت بالخجل، وارتبكت،
حينها اقترب مني زوجها، مهدئا" لا بأس أمهم تريدهم بالقرب منها، فهم مازالوا نائمين بنيتي.
قضينا يوما كاملا، في شقتهم.
حان موعد عودتي، وكم تشوقت لرؤية الأطفال لكنني لم أتمكن من ذلك.
مر أسبوع تقريبا. يا لهدوئهم!
من وقت لآخر، ألمح السيدة تلقي القمامة في الحاوية العمومية، مبتسمة لي من بعيد.
تفاجأت حين رأيتها قادمة نحو منزلنا. لوحت لها بحرارة ونزلت كي أرافقها.
صعدنا الدرج ببطء، استقبلتها أمي في غرفة الجلوس، مقدمة لها طبق البقلاوة وعصير الفراولة.
أخذت قطعة ويداها ترتجفان، ثم وقفت مذعورة، طالبة من أمي أن تتركني أذهب معها  للسوق.
توسلناها حتى تبقى وقتا أكثر لكنها اعتذرت لأن أولادها بالبيت لوحدهم.
بعد يومين، نهضت باكرا ، وبقيت أنتظر السيدة سعاد.
هاهي قادمة، محتضنة ابنها.
-لماذا كل هذا  الغطاء! الطقس حار جدا، سيختنق طفلك.
تجاهلتني،وكعادتها لم تأبه لكلامي.
انتظرنا بضع دقائق، ثم تمكنا من الصعود في تاكسي.
يوم السوق الأسبوعية، تغص الشوارع بالناس كأن أحد لم يبق بالبيت.
-الباب الشرقي من فضلك.
كان صوت المسجل عاليا، طلبت منه جارتي بلطف تخفيض الصوت لأن طفلها نائم.
شدني الفضول، لهذا الملاك،  وأشفقت عليه لأنه مغطى بعدة أغطية.
ضمته إلى صدرها، مهدهدة إياه.
"دللول يالولد يا ابني دللول
يمه عدوك عليل و ساكن الجول
يمه انا من اقول يمه يموت قلبي والله يمه
يمه يحقلي لاصير دلي
ترى اطلق الدنيا وولي
يمه على ظليمتي من دون حلي
يمه هب الهوى واصطكت الباب
ترى حسبالي يا يمه خشت احباب
يمه اثاري الهوى والباب كذاب
خويا ماريد من قدرك غموس
والله ولا اريد من جيبك فلوس"
لم تكمل هدهدتها. بدا الحزن على ملامحها.
حاولت تهدئتها، لكن دون جدوى.
وأخيرا وصلنا، نزلت من السيارة متعثرة، كادت تسقط وابنها على الرصيف.
ربت على كتفيها، هامسة لها" هات الطفل عزيزتي، أخاف أن...."
قاطعتني صارخة" يا ناس هذه البنت تريد سرقة طفلي؛ أنقذوني"
يا للهول!
صرت مشبوهة في عيون الناس.
لماذا اتهمتني زورا وبهتانا!
احترقت بأسئلة عقيمة، لا جواب لها.
كان بعض المارة يشتمني، والبعض الآخر يلعنني...
طأطأت رأسي، عاجزة عن تبرير  موقفي. جاء رجال الشرطة الذين  كانوا قرب السوق.
طوقوا المكان. لم أتحمل ذلك المشهد، جثوت على ركبتي منهارة،
من سيقنعهم أنني بريئة؟
تقدم شرطي نحوي محكما أصفاده، طالبا من سعاد أن تعطيه الطفل، لأنها ستذهب هي الأخرى لمركز الشرطة لتقديم أقوالها.
صاحت صيحة فزع، ولم تتركه يأخذ طفلها.
افتكه بقوة، سقط الغطاء، برز وجه دمية.
بعد البحث، قدم زوجها، معتذرا مني" إنها لاتزال مصدومة لأنها فقدت أبناءها الثلاثة في التفجير الإرهابي الأخير في بغداد.

ناهد الغزالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق