الخميس، 16 يناير 2020

حبل الوصال....بقلم الشاعر رشدي الخميري

حبل الوصال
على ضفّتي نهر يلتقي أحمد بفتاة أعجبته. أراد أن يكلّمها وحاول مرّات و مرّات لكن بدون جدوى. محاولاته في التّواصل معها باءت بالفشل لأنّ البنت كانت على الضّفة الأخرى من النّهر من جهة، ومن جهة ثانية كان تدفّق الماء يحدث ضجيجا كبيرا فيمنع صوته من أن يصل إلى أذني الفتاة لتتفاعل معه أوحتّى لتعلمه أنّها سمعته ولا تريد التّواصل معه . ثمّ حاول أحمد ان يصل إليها لكنّ ذلك لم يكن سهلا أبدا فمنسوب المياه كان كبيرا جدّا و يمكن أن تجرفه المياه أبعد ممّا يتصوّر . أظهرت البنت تفاعلا مع محاولات أحمد وكأنّها تريد أن يكون إلى جانبها أو حتّى أن يتواصل معها ولو من بعيد فيشعر كلّ منهما بانتماء ما . انتبه أحمد لتفاعل البنت معه فأصبح يتواصل معها بالإشارة فهمت بعضها وغمض عنها البعض الآخر ولكنّها مع ذلك أو بالرّغم من ذلك أرسلت بسمة ولوّحت بيديها مرّات تفاعلا مع ما يرسله أحمد من إشارات. اطمأنّ الطّرفان لبعضهما. ومع تقدّم الوقت بدأ اليأس من الالتقاء المباشر يتسرّب إلى أحمد والبنت الموجودة على الضّفة الأخرى من النّهر. أحمد أبدى جرأة وحماسا أكثر ممّا أبدته الفتاة بالرّغم من أنّها راغبة في التّواصل. ويأتي وقت على الشّخصين فيفترا ويجلس كلّ منهما على الأرض دون حراك ولم يغب أحدهما عن عيني الآخر وكأنّهما يبعثان برسائل صامتة تقرأها عيناهما هما فقط. فكأنّ كلّ واحد منهما يطمئن الآخر أنّه ينتمي إليه ولكنّ المسألة مسألة وقت فقط. ثمّ بدأ النّهار ينطوي على نفسه ليفسح المجال لهبوط اللّيل في ذلك المكان. وشيئا فشيئا أظلم المكان وبات التّواصل مستحيلا جدّا فحتّى مجرّد نظرة في عيني الآخر أصبحت غير واردة . أحمد يبحث عن حلّ ويصرّ على مجابهة العراقيل الّتي وقفت أمام صلته بتلك البنت. الفتاة بدورها لم تستقرّ لأنّها أرادت وبكلّ قوّة أن تجتمع بأحمد. ومع تقدّم الوقت أكثر يبدأ الخوف من المجهول في دغدغة دواخل نزيلي ضفّتي النّهر. وأصبح من المهمّ جدّا أن يصل أحمد إلى فتاته. الظّلمة ، منسوب مياه النّهر والضّجيج الّذي يحدثه تدفّق الماء عوائق حقيقيّة تصدّ أو تمنع الولدين من التّواصل وربّما تمنعهما من تأسيس قصّة حبّ هي الأجمل . وهذه القصّة قد تكون أساسا صلبا لبناء عائلة فعشيرة فمجتمع . وأساس هذه البناءات هو الحبّ . يستمرّ احمد( بحكم تجلّده وتعوّده على المصاعب) في المحاولة فيهتدي الى اشعال نار جمع لها حطبا يابسا قابلا للاشتعال فاصبح يرى وتمكن رؤيته ولو من بعيد. تحاول الفتاة من جهتها ولكنّ احمد لم يكن يعلم بذلك رغم أنّه لم ييأس . الفتاة اعتلت شجرة عملاقة وكانت أغصانها تمتدّ فوق النّهر لكنّها تنتهي عند منتصفه . البنت باعتلائها غصن الشجرة ظهرت لأحمد لأنّ النّار الّتي أشعلها كانت كبيرة فأوحت لأحمد بأن يفعل مثلها . لكن كيف السّبيل والظّلمة حالكة وأحمد لم يحدّد شجرة تسمح له بتقاسم المسافة بينه وبين رفيقته في ذالك المكان حتّى يتمكّن من محادثتها وملاقاتها عن قرب. فيبدأ بالتّفكير وبمحاولات جديدة . كانت الرّغبة في لقاء البنت والتعرّف إليها هدفا هامّا أو ربّما تتوقّف عليه حياة أحمد خاصّة بعدما اقتربت منه فتاته وهي على غصن الشّجرة الممتدّ فوق الماء الجارف . يهتدي أخيرا صديقنا إلى حلّ . ربط حبلا (كان يحمله معه دائما عندما يكون في جولة في أرجاء الغابة أو غيرها) في جذع الشّجرة الّتي يأوي تحتها ثمّ أرسل الطّرف الآخر من الحبل إلى فتاته وهي مازالت فوق الغصن على الجهة الأخرى من النّهر. تلتقط البنت الحبل وتحبك شدّه ثمّ تبدأ بالاقتراب أكثر نحو نهاية الغصن لتجد نفسها في النّهر تصارع قوّة دفعه. لم تكن بمفردها .أحمد كان من الجهة الأخرى يجذبها بمعانات و كاد الماء يغلبه ويرحل بالفتاة إلى ما تحتسب عواقبه. ويواصل أحمد جذبه للحبل حتّى أخرج رفيقته من الماء .وقرّبها من النّار لتدفّأ وتستعدّ للافصاح عن صوتها وعرض ما بجعبتها. قبل أن تبدأ زينب( اسمها الذي افادت به أحمد) بالكلام ، قدّم احمد أصله وفصله وقال أنّه لجأ إلى هذا المكان لأنّ بيته سلب منه بالقوة من طرف أشخاص نافذين لا تقوى عليهم قوّة . أخذت بعد ذلك زينب دورها في الكلام وبدأت بشكر احمد لأنّه أنقذ حياتها ثمّ اعلمته أنّ أهلها يريدون تزويجها غصبا عنها لمن هو لا يناسبها ولا يتماشى مع ميولاتها وهي في الحقيقة لا تستلطفه ولا ترتاح إليه . أخذها أحمد في أحضانه وأقسم ان يحميها بكلّ ما أوتي من قوّة وأنّها ستكون زوجته إن كانت هي قابلة بذلك وأن لن يمسّها أحد بأذى بعد الآن.
رشدي الخميري/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق