الخميس، 16 يناير 2020

استكانت إلى الصمت،..بقلم الشاعرة نجوى العريبي الطيب

استكانت إلى الصمت،كعادتها التي اكتسبتها،منذ قررت ذات مساء ألا تجادله مستقبلا،حتى تتفادى انتقاداته اللاذعة المهينة،فعلت ذلك وهي متأكدة،إنه سيجد أسلوبا،آخر لتأديبها وإثارة حفيزتهافهو ومنذ أشهر يتفنن في ابتكار طرق انتقاص كرامتها وأذيتها.
رفعت بصرها في فضاء الغرفة وشردت ...عادت بها الذكرى إلى يوم رجع،متأخرا كان طفلها قد هجع إلى فراشه ،تكوم على نفسه، طاويا آلامه والنزر من أحلامه.فهو بدوره في حالة ذهول من لا مبالاة والده به وهو الذي كان لا يصبر على ملاعبته وصحبته...
كان الظلام يتراكم في الغرفة ،زاحفا إلى قلبها ، تذكرته وهو واقف عند رأسها يلكزها"ألم تسمعي صوت المفتاح في القفل؟انهضي أريد عشائي ساخنا،يا بنت ال🐕-ذاك كان ألطف ما تفوه به زوجها ليلتها،وانتشر القرف في نفسها.تسللت إلى أنفها رائحةسكر لم تألفها فيه سابقا،ولمحت سحابة سيجارة يلتهمها ويرتفع دخانها في الأنحاء،وصرخ من جديد"متى سيحضر هذا العشاء؟يا سقط المتاع"وتتالى سبابه...
هي بنت العائلة الكريمة، تنعت بتلك الشائم!!!،وهي تصمت وتمتنع عن إخبار والديها،آه ماأحوجها إليهماالآن،ولكن لا لن تخبرهما بشيء،ستطوي سرها بين ضلوعها،كما يطوي الظلام الضياء...أحيانا تفكر أن تهرب إليهما ،تحتمي بعطفهما من ظلمة وجهه المربدّ،وغضبه الأرعن.
لاتستطيع أن تقول إنها كرهته،غير أنّ الحياة معه أصبحت مرة مرارة العلقم،سمّا زعافا يجرعها إياه ويلتذّ .هددته أنها ستغادر بلا رجعة، ولكن إلى أين؟.هكذا خاطبت نفسها"عليّ تحمّل تبعية اختياري أنا التي حاربت عائلتي من أجله وأقنعتها إني حرّة،ومسؤولة عن اختياراتي"
.وتنهدت تنهيدة طويلة. كانت على استعداد لرفع الجبال فقط ترى بسمته التي أسَرتها،تسمع بعض غزله،أو أشعاره التي أطربتها،وكلمات حبه التي غمرتها،فكست روحها طمأنينة العالم وملكت الدنيابأسرها،تتذكر وتمضي مسرعة،مبتعدة عنه وفي معدتها تهيج وفي خاطرهاألف سؤال ،تحرِّك القدر وترجوه أن يخفض صوته حتى لا يصحي الطفل بصراخه،وشتائمه النابية..تضع الأكل بين يديه وتنسل هاربة تمسك رأسها حتى لا تقع من الدوار،تلملم جسدها وتدفن وجهها تحت الوسادة وتبكي،،ملوحة الدمع بين شفتيها،
تتساءل أين ذهب الرجل الذي أحبته؟أين اختفى؟وكيف تحول إلى هذا الغريب عنها،كيف أضحى عنيفا ،مؤذيا؟تحتدم الأسئلة...دماغها يكاد ينفجر وشظايا نفسها تتمزق،تختنق، وتستعرض فصولا من غضبه ،مرّة
خاطبته ،ولا تدري كيف استجمعت شجاعتها وتجرأت"جمال إن كنت أصبحت تتناول بعض العقاقير،إن كنت أدمنت...فأنا مستعدة لمساعدتك،عصبيتك وجنونك وانقلابك لا تفسير له إلا..."
وقبل أن تتمّ حديثها ابتسم ابتسامة صفراء،ثم أشاح بوجهه عنها وانصرف،وعلى غير عادته لم يشنف آذانهابأي كلمة سيئة،لم يلح عليها ككل مرة أن تحمل طفلها وترحل،ترحل بعيدا عنه وعن أذاه...فهو صار من الماضي،الماضي... وذات صباح تسلل ضوء الشمس بلون الدم الأحمر، حاملا رائحة الموت الأسود
غصة في الحلق وألم يعتصرها،يمسك ابنها ابن الخمس سنوات بتلابيب ثوبها،يتمتم"ماما أين أبي،لماذالم يعد ينام معنا؟لماذا لفوه في ذلك اللحاف الأبيض؟؟ لماذا؟...لماذا؟...نظرت عبر النافذة،لفحها هواء بارد،فاحتضنت صغيرها،وأمسكت يده الصغيرة تلفها ،تقربها من شفتها تلثمها،كم تشبه يد والده،يده التي آخر مرة أمسكتها حين وقع مغشيا عليه،يده كانت باردة قطعة ثلج،وجسده جثة هامدة.في لحظة
،انتهى كل شيء،شيعته
إلى مثواه الأخير،غير مصدقة، وسقطت كل الأقنعة،وفكّ اللغز ،تستعيد صور العذاب عندما أصيب بدائه العضال،تكتّم ،أخفى عنها الحقيقة، حرص على أن تكرهه،تحقد عليه لم يرد بموته أن يؤلمها،أوأن تتفجّع،أو تحزن،"فقد أذاقها الأمرين وجاهد حتى يقتلع حبها له من جذوره ،ابتغى أن ترحل ،قبل رحيله هو ولكنها ظلت صابرة،
وحتى بعد أن ذوى،دون أن يجتاز مراحل حياته كلها،مازالت غير مصدقة، مصدومة،كأنّ حجرا يثقل صدرها.فقط قبل رحيله الأبدي مدّ يده في رفق،
تلقفت كلماته الأخيرة وقصيدته الأخيرة...ولقد أطربتها فانتشت.وإذا هواه يسكر معربداإنه عاد إليها.وأبدا لن يغادر ،لن يغادر مهجتها.ثم التفتت جنبها واحتضنت من جديدطفلها وضمته إلى صدرها،إنه تعطر بعطر والده.
عادت تنظر عبر النافذة،الغيم المتلبد ينقشع،فإذابقعة واسعة في السماء،صافية ابتسمت وقالت لابنها تأمل عزيزي هناك بعيدا ماذا ترى؟ ضحك الطفل ضحكة عريضة ودس رأسه في حضن أمه الدّافئ،ونام حالما...

بقلمي نجوى العريبي الطيب في 21|09|2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق