#ثنايا_الحب
الحياة عالم كبير يمر فيه الإنسان بقصص حب تكون بداياته مع الولادة ففي هذه المرحلة الأولى يعشق الرضيع والديه و يتعلق أكثر بأمه و بثدي أمه لكن بمرور الوقت تكبر ملكة الحب لدى الأم من جهة و الصغير من جهة ثانية و تشتد مع أول سنة دراسة تلعب فيها الأم دور الرقيب و الدليل و المصاحب.
منذ بداياتي كنت شديد التعلق بوالدتي، أعتز بها كل الإعتزاز ،كنت لا أفارقها أثناء النوم، أتمسك بتلابيبها ، ألتصق بركبتيها و أضع رجلاي بينها حتى أنعم بدفئ ساقيها.
لم نكن نملك غير فراش واحد ينام عليه الجميع، حصير يلقى على بعض الأعمدة و الحجارة ليعلو الفراش عن سطح الأرض (السِّدَّةُ) و نرمي بأجسادنا عليه لننام
كنا خمسة أفراد بينما كان الوالد يعمل بالعاصمة و لا يعودنا إلا نهاية كل شهر
كنا نعيش في فقر مدقع ومعاناة لا قاع لها و ازدادت الأتعاب و تعاظمت الأوجاع برحيل الوالد،لم أتجاوز أنذاك السادسة من عمري لأجد نفسي بلا أب فتعلقت بأمي و شغفت بها أكثر فأكثر.
هو ذا حبي الأول في الحياة وهو حب لا يضاهيه حب.
بمرور الأيام تعلقت بالمدرسة و أصبحت لا أطيق فراقها.
معلمون أكفاء و أجواء تلمذية لن أنساها، كنا نركض هنا و هناك،نلاحق الفراشات و نحدف أعشاش العصافير، نصيح ،نلهو.
كنا لا نكل و لا نمل و نتمنى لو يطول البقاء و لا نعود إلى ديارنا.
لم أنس سي فرج معاوية و عبد الحميد المجدوب و صميدة العرفاوي و لزهر الغابري و عبد الوهاب اليعقوبي هذا الذي ضحى بكل أوقاته من أجل أن نسعد نحن و تسعد عائلاتنا.
أذكره جيدا وهو يجوب بين الصفوف و يعلمنا أبجديات الحروف،معه عرفنا أن بيلي هو أفضل لاعب في العالم و أن القرد ذكي و الكلب وفي و معه أصبحنا كالجسد الواحد لا نطيق الإفتراق.
في نهاية سنوات الإبتدائي همت بحب فتاة وطغى غرامها على كل حواسي حتى أصبحت أسير هواها و استحوذت على كل مشاعري
كانت الكلمات تختنق بداخلي كلما هممت بمحادثتها و كانت أنفاسي كثيرا ما تحبس
و لم أستطع الوصول إلى قلبها.
انتهت المرحلة الإبتدائية بسلام و انتقلنا للثانوية يحدوني العزم على طي صفحة الماضي و نسيت هذه الفتاة ليخفق قلبي من جديد لفتاة كانت تجالسني كل ساعات اليوم بالفصل.
عشقتها عشق الوليد لثدي أمه بل أكثر من ذلك كنت لا أشبع منها أبدا و كنت مستعدا لفعل أي شيء من أجلها.
كان الحب من طرف واحد فهي لم تكن تعلم بهيامي و عشقي لها،كانت تحترمني كثيرا و لا تجد راحتها إلا حذوي بالمقعد.
كانت مهتمة بدراستها عكسي تماما كنت مولعا بها.
قبل العطلة بيوم غاب أحد الأساتذة فتوجهنا نحو قاعة المراجعة كان ليس من السهل مفاتحتها في الموضوع فأنا طفل خجول منطويا على نفسي في المقابل كنت أشعر بنشوة عارمة وهي تجلس إلى جانبي و كان صمتي يبلغها حبي.
كنت أتحدث إليها بروح إنهزامية و وجدت نفسي غير قادر على اغتنام هذه الفرصة لأبثها لواعج قلبي و اكتفيت بوضع رسالة بين صفحات الكتاب أبحث فيها عن الحب بين ضلوعها و بين ثنايا روحها
كانت رسالتي تعلن بين دفتيها عن مشاعر صادقة من القلب للقلب.
عدت إلى مسقط رأسي أمني النفس برد يثلج صدري
#و_جاء_الرد
كانت الكلمات حقيقة رقيقة و جميلة تنم على الإحترام لكنها لا تبعث على الأمل والتفاؤل، لم يَرْقَ الرد لمستوى طموحي و لا انتظاراتي و أدركت للتو أن حلاوة الإنسان لا تقاس بحلاوة اللسان
عدنا بعد العطلة فأتتني مبتسمة و أعلمتني أنها لن تكون ملكي و لا انا ملكها و أنها اتخذت قرارا بألا تجلس إلى جانبي بالمعقد بعد الآن حتى لا تعكر صفو انتباهي أثناء الدروس و لا أشغل بالي بها.
تألمت لما أصدعت به إلي و أعلمتها إن هي فعلت ذلك فسيكون بمثابة الصدمة الكبرى لي و ترجيتها العدول عن هذا القرار على أن نبقى صديقين حميمين.
تبسمت و أومأت برأسها موافقة وهي تنظر لي نظراتٍ ود و إحترام فعادت لي الروح و عادت نبضات قلبي تدق.
في نهاية السنة حازت على معدل ممتاز أهلها إلى نيل شهادة الباكالوريا في حين لم أتجاوز أنا محنتي و كان لزاماً علي ألا أعيش على أطلال الماضي.
انتهت السنة الدراسية الأولى لأرحل بعيدا مهزوما مكسور الخاطر أنفض عن نفسي غبار المتاعب و الفشل.
سجنت حبي بين ضلوعي و أبحرت في متاهات بين أروقة العشق أُضّمد جراحاتي و أُكِيدُ لكل اللعنات التي تلاحقني لأفر من هذا القيد اللعين و أزيل أوهامي التي باتت تحتل مكان أحلامي و داومت على سهر الليل أقلب الذكريات إلى حين أسهد وكلي أمل أن يزورني طيف الحب من جديد
- أبو جهاد - مصطفى العرفاوي -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق