السبت، 11 أبريل 2020

أول قصيدة بقلم بوحدادة رتيبة

أول قصيدة
بقلم بوحدادة رتيبة

غيرت عائلة صديقتي سليمة مقر السكن وانتقلت للعيش في ولاية داخلية.لم تكن سليمة صديقتي فحسب بل كانت زميلتي في الدراسة، تدرس معي بنفس الكلية وفي نفس التخصص،كما كانت تشاركني نفس الغرفة في الإقامة الجامعية المخصصة للبنات اللواتي يقطن أماكن تبعد عن الجامعة مسافة لا تقل عن 30 كلم.
كنت أنا ورفيقتي قد قررنا في السنة السابقة تغيير الجامعة والالتحاق بجامعة عنابة وذلك من أجل دراسة  علمLa microbiologie،لأن هذا التخصص لم يكن متاحا في جامعتنا التي كانت لاتزال في ذلك الوقت مركزا جامعيا لقلة الكليات فيها و لنقص التخصصات التي يمكن دراستها. قمت بجميع الإجراءات القانونية من أجل تغيير الجامعة ابتداء من المطلب إلى موافقة الجامعة المستقبلة،لكنني بعد أول يوم لي في الجامعة الجديدة غيرت رأيي في آخر لحظة والتمست المكوث في جامعتي،ساعفني الحظ لان ملفي لم يأخذ مجرى خارج الكليات وأنه باستطاعتي التراجع،أما صديقتي سليمة فلقد كانت مجبرة على الانتقال للتقرب أكثر من مقر سكنهم الجديد.
ودعت سليمة وقلبي يتقطع ألما لأنني أحببتها بشدة، لقد كانت فتاة بسيطة و هادئة ومن الطالبات اللواتي يعشقن التأمل في الحياة، كانت دائما تقول جملتها المشهورة: "أنا ديما نحير في....."،كان عقلها لا يتقبل زيف العلاقات وخداع الأصدقاء،لذلك لم يكن لها صديقة غيري.
ٱعيد تسجيلي بالكلية وأتممت الإجراءات المتعلقة بتجديد السكن بنفس الغرفة،لم أشأ تغيير الغرفة وأردت البقاء فيها علها تشعرني بوجود صديقتي الغائبة. استلمت المفتاح واستقريت بالغرفة بعد تنظيفها وترتيبها،بدت لي موحشة،تفتقر ضجيج الحياة، ومازاد عدم قدرتي على المكوث فيها هي الفوبيا التي كنت أعاني منها، فأنا من الأشخاص الذين يخافون الوحدة. غادرت غرفتي وتوجهت إلى غرفة قريبتي لكي أصطحبها للمبيت معي. لبت قريبتي طلبي لفترة  ثم قالت لي: أنت تدرسين مجالا علميا، تسهرين ليلا وتستيقظين باكرا،أما أنا فأدرس الأدب وكما تعرفين،أنا من محبي النوم،لذلك أنصحك بإيجاد طالبة يكون مجال دراستها قريبا من مجالك.
فكرت في الأمر و قلت سوف أكلم رئيسة الجناح في الأمر،كانت رئيسة الجناح الذي ٱقيم فيه آنسة في العقد الرابع،تسكن حيا قريبا من الجامعة،مايميزها هو صوتها العالي الذي يملأ المكان بمجرد دخولها الحرم الجامعي،لذلك لم أكن أتردد على مكتبها للبحث عنها ويكفي إذا أردت مقابلتها أن أنتظر سماع صوتها في الخارج و أذهب إليها و أنا متأكدة من وجودها في مكتبها. كانت من بين المشرفات التي يحبها الجميع و يخافها الجميع وأي طالبة مهما كان صنفها لا يمكنها تجاوز حدودها معها، كانت تملك منهجية فريدة في ارضاخ الطالبات لأوامرها وذلك باستعمالها لمفردات تحبها الآنسات...يا الفحلة، يا بنتي الزينة... ترفق كلماتها بابتسامة تذكرنا بمعدنها الطيب،فهي تتدخل بحكمتها لفك النزاعات التي تشب بين المقيمات من حين لآخر.
أجلت ذهابي لرئيسة الجناح لحين عودتي وقت الظهيرة، فموضوع كهذا يتطلب جلوسي في مكتبها. زاولت دروسي الصباحية ثم توجهت إلى مطعم المبيت الذي بدا لي كئيبا من  دون سليمة،فلقد كنا نستمتع سويا بالحديث ونحن واقفتان في ذيل الانتظار الطويل كما كنا نسميه لكي نستلم ذلك البلاتو المعدني الذي يحوي الوجبة،أنهيت طعامي و سرت باتجاه غرفتي و إذ بي أسمع صوتا يردد: آ الفحلة تاع الناف، آ الفحلة تاع الناف، إنها رئيسة الجناح....هي تقصدني أنا لأن رقم غرفتي هو الرقم 9، توجهت نحوها واستفسرت عن سبب النداء،أجابت: ما كاين غير الخير يا اللبة، لقد اقترحت علي أن أقبل برفيقة جديدة معي في الغرفة، ودون أن أسأل عن الفتاة طرت فرحا و قبلت على الفور و أجبتها بأنني كنت سأقصدها لنفس الموضوع لأنني لم أتحمل بقائي بمفردي في الغرفة.
في المساء أتت رفيقتي الجديدة، منذ الوهلة الأولى بدت لي إنسانة طيبة "سماهم على وجوههم"، استقبلتها وكلي سرور بوجود أنيس لي في غرفتي التي بدأت الحياة تدب فيها.
إنها طالبة ماجستير و أستاذة جديدة العهد بالوظيفة في كلية اللغة العربية و آدابها، كانت لهجتها غريبة بعض الشيء عن لهجتي لأنها تنحدر من بلاد الشاوية.
مرت الأيام و الشهور و أصبحنا أكثر من صديقتين و رغم أنها تكبرني سنا إلا أنني لم أجد مشكلا في التأقلم معها، فلقد كانت دائما تمدحني قائلة: أنت صغيرة في العمر ..كبيرة في العقل، كما أنها تقدمني لزميلاتها الأستاذات بأنني صديقتها الرزينة التي لا تخشى مشاركتها أي موضوع.
ذات مساء عادت رفيقتي الأستاذة و هي تحمل قصاصة بيدها،ناولتني إياها وقالت: خذي لقد دونت موضوع المسابقة لأجلك. كانت القصاصة تتضمن إعلانا عن فتح أبواب المشاركة في مسابقة في الشعر وكان موضوع المسابقة يشترط كتابة أبيات شعرية باللغة العربية تتناول القضية الفلسطينية. قرأت ماكتب علي القصاصة ثم سألتها مستغربة: وماذا أفعل أنا بها؟! أترينني شاعرة أمامك؟!! أقول ذلك وأنا أضحك. تقاطعني قائلة: انت قدها وقدود، بمعنى أنه يمكنني المشاركة. أخذت تشجعني على خوض التجربة مستندة في ذلك بأنني أجيد سرد القصص وأنها لطالما كانت تستمتع بحديثي عندما أروي لها مغامرات الطلبة في الإقامة أو في الكلية، كما أضافت بأنني أجيد التنكيت وتجميل الكلام بمختلف المحسنات البديعية.
حقيقة كان كلامها مشجعا خاصة و أنه لا توجد بحوث تشغلني هذه الفترة، سوف أحاول الكتابة ولما لا. نبهتني بأنه يجب أن أسلم قصيدتي لإحدى المنخرطات في المنظمة الطلابية التي نظمت المسابقة في غضون يومين لا أكثر.
يا إلهي علي البدء وعلى الفور. في البداية كتبت كلمات مبعثرة وفي اليوم التالي نسقت ما بين الكلمات لتكتمل قصيدتي التي اخترت لها عنوان" سندوس العدو".
حدد يوم الإعلان عن النتائج وتفاجأت عندما رأيت رفيقتي ضمن أعضاء لجنة التحكيم، لم تقل لي هذا ولم تلمح له رغم أنني كنت أكتب قصيدتي بجانبها وكنت أقرأ عليها الابيات الشعرية قبل تسليمي لها.
كانت الفائزة الأولى إحدى طالبات العلوم البيطرية التي تناولت الموضوع في قصيدة طويلة حوت أبيات معبرة و كانت سببا في بكاء الحضور. بعد الإعلان عن اسم الفائزة بالمرتبة الثانية، لم أصدق ما سمعت عندما نودي باسمي: الفائزة بالمرتبة الثالثة هي الطالبة بمعهد البيولوجيا " بوحدادة رتيبة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق