الخميس، 20 أكتوبر 2022

نهاية رحلة الحلقة السّادسة عشر..قلم الشاعر. رشدي الخميري

 نهاية رحلة

الحلقة السّادسة عشر

مع مرور الأيّام بدأ سيّدي المعلّم يستقرّ نفسيّا وينسجم أكثر فأكثر مع عمله الّذي دخله مرغما. أي نعم هي رسالة نبيلة وتستحقّ التّضحية ولكنّه كان يرغب في مواصلة تعلّمه في الجامعة إلاّ أنّ ظروفا ألمّت به وحالت دون ذلك فبقي موضوع مواصلة الدّراسة يدغدغه كلّما عاد إلى المدينة وجلس إلى أصدقاء جمعته بهم في ما مضى مقاعد الدّراسة وهم في ذلك الوقت إمّا مازالوا يتابعون دراستهم أو أتمّوها وبدأوا يشغلون مناصب مهمّة وبعضهم في انتظار ذلك. تتواصل تجربة سيّدي المعلّم للسّنة الثالثة والرّابعة في تلك المنطقة الرّيفيّة وفي ظروف جديدة. انتقل زملاؤه القدامى إلى مناطق أخرى والتحق به زملاء جدد لكنّه سرعان ما تأقلم معهم وساعدهم على التّأقلم مع وضعيّتهم الجديدة وممّا سهّل الأمر عليهم أنّهم جاؤوا من منطقة قريبة جدّا ولها نفس السّمات التّضاريسيّة والمناخيّة للمنطقة الّتي سوف يعملون فيها. وشيئا فشيئا بدأ سيّدي المعلّم يشعر بضرورة النّقلة فمقامه أطول من تلك الفترة هناك قد يحرمه أو هو حرمه فعلا من عدّة برامج تشغل باله. بدأ يرسل مطالب لنقلته إلى المدينة أو منطقة قريبة منها على الأقلّ، لكنّ الإدارة كانت في كلّ مرّة تسوّف قبول مطلبه وتؤجّل نقلته بتعلّة عدم توفّر مراكز شاغرة. بعث بمطالب موازية لنقابة المعلّمين في إطار حركة نقلة على الصّعيد الوطنيّ تخضع النّقلة فيها لمقاييس مظبوطة جمع منها سيّدي المعلّم ما يضمن له النّقلة إلى منطقة يرضاها لأنّ المتفقّد زاره خلال السّنة الرّابعة ومكّنه من عدد قاعديّ مقبول يضاف إلى أقدميّته فيكون مجموعه مناسبا للمنافسة على مركز في مدرسة قريبة من المدينة، وبات يحلم بوضعيّة أفضل نسبيّا تؤهّله لتلبية بعض مطامحه.

في صائفة سنته الرّابعة ظهرت نتيجة حركة النّقلة وفعلا تحصّل سيّدي المعلّم على مركز مناسب جدّا وبات بإمكانه التّنقّل بسهولة وفي الوقت الّذي يريده. الوضعيّة في المنطقة الجديدة أيسر بكثير على جميع المستويات سواء للتّلاميذ أو للمعلّمين، وحالة الأولياء الماديّة مترفّهة نسبيّا مقارنة بأولياء تلامذة المناطق الرّيفيّة الأخرى، والإحاطة الاجتماعيّة والعائليّة متوفّرة أكثر فالأولياء أغلبهم يعودون آخر النّهار إلى منازلهم فيتقابلون مع أبنائهم ويحتضنونهم ويتواصلون معهم بطرق مقبولة جدّا فيتعرّفون على نقائصهم وبإمكانهم أيضا التّواصل مع إدارة المدرسة ليقفوا على مستوى أبنائهم أو بناتهم فينقضون ما يمكن انقاضه بالتّعاون مع المعلّمين أو يدعّمون مستوى تلاميذهم بما استطاعوا. قد يتبادر إلى الذّهن السّؤال عن الفرق بين وليّ في منطقة معيّنة ووليّ في منطقة أخرى وسبب هذا الفرق إن وجد. خرج سيّدي المعلّم من تجربته المتواضعة بخلاصة أنّ التّضاريس والمناخ يصبغ النّاس بطباع معيّنة ونفسيّات يظهر تأثيرها على سلوكهم وعلاقاتهم مع غيرهم بما في ذلك أفراد عائلاتهم. فقسوة الطّبيعة تضاريسيّا ومناخيّا في الغالب تجعل النّاس قساة وأصلاب والعكس صحيح حسب تجربة سيّدي المعلّم. هذا لا يعني أبدا أنّ حبّ الأولياء لأبنائهم أو زوجاتهم أو حتّى أقاربهم قد يختلف .لا أبدا، ولكنّ طريقة اظهاره والسّلوك يختلفان من جهة لأخرى تبعا إلى ما انبنت عليه شخصيّاتهم، أضف إلى ذلك أنّ الأولياء يختلفون ثقافة وممارسة وعلاقات، وهذا ما يجعلهم أيضا مختلفين. في المنطقة الجديدة الّتي انتقل إليها سيّدي المعلّم لم يعد الدّكان هو المركز الإعلاميّ والثّقافيّّ. فالدّكّان هناك دوره يتمثّل في بيع مواد غذائيّة أو تجهيزات منزليّة او... وقد يمكث فيها بعضهم قليلا لتداول خبر او آخر بشكل سريع لكنّه سيتداوله مع مطّلعين وربّما مع من هو قادر على التّحليل في المقهى حيث تتناول المواضيع في شكل حلقات ومجوعات تتكوّن تلقائيّا وتختلف من حيث عدد الأفراد وأعمارهم وحتّى من حيث مواضيع نقاشهم. ثمّ إنّ هناك أكثر من دكّان وتختلف كلّها في نوعيّة البضاعة وطبيعتها فلا تجد تجمّعا كبيرا في هذا الدّكان أو في ذاك. أمّا عن المنطقة في حدّ ذاتها فهي فلاحيّة منبسطة يصلها الماء والكهرباء وفيها مستوصف. عدد المعلّمين في المدرسة الجديدة ليس كبيرا، لكنّ سيّدي المعلّم وجد نفسه يشتغل مع مدير والبقيّة إمّا سيّدات أو آنسات... 

رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق