بورتريه - نجاة نوار
نسمات باردة ورذاذ خفيف يطرق زجاج النافذة ويحدث ارتطامه بأوراق الشجيرات المحاذية للمبنى هسهسة تداعب أوتار القلب.
يجلس الى مقعده ،تنفرج شفاهه وهو يلقي بصره ،هاهي هنا لاتخلف موعدا .يمد يمناه يصافحها ويتحسس بأناة تفاصيلها الدافئة فتضطرب بين كفيه وتتمايل خجلى ويضوع عطرها سخيا يملأ خياشيمه ويداعب حواسه .يملأ ريحها رئتيه في انتشاء ويقرب شفاهه يرتشف قبلة ضمأى. ينفذ مدامها الى مسالك جسمه تضخ بها شرايين دفء بلون الحياة،ويتسلل عبقها الى أزقة عقله يكنس كل رائحة وكل مذاق سواها.
يضع فنجانه بأناة مبتسما فتبتسم من خلف الغلالة الشفيفة ،تمد أنامل قدت من شمع وتأخذ قطعة واحدة كعادتها وتلقيها بفنجانها.
كانت خرافية الحسن هذا الصباح أو هكذا خيل اليه أنصت باهتمام لحديث عينيها وهو يتأمل جدائل شعرها المنسدل بغير ترتيب على كتفيها.جبينها كان مشرقا وعيناها تشعان ألقا غريبا.
راقب حركة يدها وهي تحرك بغنج الملعقة الفضية الصغيرة لتذيب سكرها.حركات دائرية رتيبة أعادت بذهنه بوصلة الزمن الى يوم لقائهما الأول.كان يوما التصق بزوايا الذاكرة ورسخ بوجدانه ورسم لاقداره طريقا جديدا تكون فيه لهذه المرأة دور البطولة والاخراج.
زارته بمكتبه يومها ،اثر فترة تعارف قصيرة بالهاتف .محادثات جعلته يسعى الى معرفة المزيد عن تلك الفتاة التي ملكت برقي ثقافتها وطرق تفكيرها حيزا من عقله..لم يكن يؤمن بالحب من اول نظرة بقدر ايمانه بالتجاذب السحري من أول محادثه،هو على خلاف الكثير من اصدقائه يؤمن بأن جمال المرأة لايرى بل يكتشف .
وقف يحييها وعلى شفتيه ابتسامة صغيرة :"تفضلي" حاول ان يخفي انبهاره باتساع عينيها وجمالهما الاسر.طلب اليها الجلوس بايمائة صغيرة .جلست مرتبكة ،لم يكن بمفرده،عرفها الى ضيفه .مرت لحظات بطيئة انصرف اثرها ذلك الضيف.تحدثا في مواضيع مختلفة .كان لديها الكثير لتقوله لكن وقع اللقاء الاول اربكها ،كانا يثرثران مطولا بالهاتف والأن تعقد الحيرة والخجل لسانها.
شعر بمدى توترها فنظر الى ساعته وقال متحججا "لقد تأخر الوقت ،أظن انه علينا المغادرة "ووقف ليأذن لها بالانصراف.
حينها انكمشت كلماتها المتدافعة وتهاوت امام بوابة الحنجرة الموصدة.شعرت بقبضة قاسية تعتصر قلبها وهي ترى صرح أمال عريض رسمته مخيلتها ينهار ويتهاوى بغتة كقصر رملي اجتاحته موجة عاتية .لم تنبس بحرف،وهمت بالمغادرة لكنها تعثرت فجأة كما تعثرت حروفها، وقبل أن تق
تقع أرضا وجدت نفسها بين ذراعيه ،لقد سارع ليسندها ،ارتجفت انفعالا وسالت دمعة حرى.كانت مبعثرة جدا وكان عناقه الصغير مواساة الا انه كان كافيا ليرمم بداخلها بعض شظايا البلور المهزوم.
لحظات خدر محبب تشبه الحلم،افاقت من غيبوبتها وانتزعت نفسها من بين ذراعيه ونزلت الدرج تتقاذفها مشاعر متباينه.سعادة ورجفة وخوف ..لقد تركت شيئا خاصتها معه.
كيف سمحت لنفسها بان تنهار هكذا ،أين ثقتها واعتدادها،أين الكبر ؟
كيف تهرب رباه من وخزات الضمير وصفعات التأنيب.
أما هو فقد استند الى اقرب جدار مغمض العينين تسجل حواسه لحظات تاريخية تقاس بعمق النبض ،وقف يخزن بشرفات الذاكرة رائحة عطرها،لون عينيها،ملمس شعرها،نبضها المتسارع وهي بين يديه.رحلت لكنها بداخله تسافر.سحب نفسا عميقا وأسرع الى النافذة يراقبها وهي تعبر الشارع.ادرك حينها انه خلق ليكون لها وخلقت لتكون منه واليه.
قطع شروده صوت رنين الهاتف كأنه قادم من أزمنة أخرى.وضع اطار الصورة برفق في ركنه المعتاد من المكتب ولسان حاله يقول :"أنت أجمل أقداري ،أنت عالمي،أكونك فيكتمل معنى وجودي" رفع سماعة الهاتف وباشر عمله سعيدا.
Najet Nouar
نسمات باردة ورذاذ خفيف يطرق زجاج النافذة ويحدث ارتطامه بأوراق الشجيرات المحاذية للمبنى هسهسة تداعب أوتار القلب.
يجلس الى مقعده ،تنفرج شفاهه وهو يلقي بصره ،هاهي هنا لاتخلف موعدا .يمد يمناه يصافحها ويتحسس بأناة تفاصيلها الدافئة فتضطرب بين كفيه وتتمايل خجلى ويضوع عطرها سخيا يملأ خياشيمه ويداعب حواسه .يملأ ريحها رئتيه في انتشاء ويقرب شفاهه يرتشف قبلة ضمأى. ينفذ مدامها الى مسالك جسمه تضخ بها شرايين دفء بلون الحياة،ويتسلل عبقها الى أزقة عقله يكنس كل رائحة وكل مذاق سواها.
يضع فنجانه بأناة مبتسما فتبتسم من خلف الغلالة الشفيفة ،تمد أنامل قدت من شمع وتأخذ قطعة واحدة كعادتها وتلقيها بفنجانها.
كانت خرافية الحسن هذا الصباح أو هكذا خيل اليه أنصت باهتمام لحديث عينيها وهو يتأمل جدائل شعرها المنسدل بغير ترتيب على كتفيها.جبينها كان مشرقا وعيناها تشعان ألقا غريبا.
راقب حركة يدها وهي تحرك بغنج الملعقة الفضية الصغيرة لتذيب سكرها.حركات دائرية رتيبة أعادت بذهنه بوصلة الزمن الى يوم لقائهما الأول.كان يوما التصق بزوايا الذاكرة ورسخ بوجدانه ورسم لاقداره طريقا جديدا تكون فيه لهذه المرأة دور البطولة والاخراج.
زارته بمكتبه يومها ،اثر فترة تعارف قصيرة بالهاتف .محادثات جعلته يسعى الى معرفة المزيد عن تلك الفتاة التي ملكت برقي ثقافتها وطرق تفكيرها حيزا من عقله..لم يكن يؤمن بالحب من اول نظرة بقدر ايمانه بالتجاذب السحري من أول محادثه،هو على خلاف الكثير من اصدقائه يؤمن بأن جمال المرأة لايرى بل يكتشف .
وقف يحييها وعلى شفتيه ابتسامة صغيرة :"تفضلي" حاول ان يخفي انبهاره باتساع عينيها وجمالهما الاسر.طلب اليها الجلوس بايمائة صغيرة .جلست مرتبكة ،لم يكن بمفرده،عرفها الى ضيفه .مرت لحظات بطيئة انصرف اثرها ذلك الضيف.تحدثا في مواضيع مختلفة .كان لديها الكثير لتقوله لكن وقع اللقاء الاول اربكها ،كانا يثرثران مطولا بالهاتف والأن تعقد الحيرة والخجل لسانها.
شعر بمدى توترها فنظر الى ساعته وقال متحججا "لقد تأخر الوقت ،أظن انه علينا المغادرة "ووقف ليأذن لها بالانصراف.
حينها انكمشت كلماتها المتدافعة وتهاوت امام بوابة الحنجرة الموصدة.شعرت بقبضة قاسية تعتصر قلبها وهي ترى صرح أمال عريض رسمته مخيلتها ينهار ويتهاوى بغتة كقصر رملي اجتاحته موجة عاتية .لم تنبس بحرف،وهمت بالمغادرة لكنها تعثرت فجأة كما تعثرت حروفها، وقبل أن تق
تقع أرضا وجدت نفسها بين ذراعيه ،لقد سارع ليسندها ،ارتجفت انفعالا وسالت دمعة حرى.كانت مبعثرة جدا وكان عناقه الصغير مواساة الا انه كان كافيا ليرمم بداخلها بعض شظايا البلور المهزوم.
لحظات خدر محبب تشبه الحلم،افاقت من غيبوبتها وانتزعت نفسها من بين ذراعيه ونزلت الدرج تتقاذفها مشاعر متباينه.سعادة ورجفة وخوف ..لقد تركت شيئا خاصتها معه.
كيف سمحت لنفسها بان تنهار هكذا ،أين ثقتها واعتدادها،أين الكبر ؟
كيف تهرب رباه من وخزات الضمير وصفعات التأنيب.
أما هو فقد استند الى اقرب جدار مغمض العينين تسجل حواسه لحظات تاريخية تقاس بعمق النبض ،وقف يخزن بشرفات الذاكرة رائحة عطرها،لون عينيها،ملمس شعرها،نبضها المتسارع وهي بين يديه.رحلت لكنها بداخله تسافر.سحب نفسا عميقا وأسرع الى النافذة يراقبها وهي تعبر الشارع.ادرك حينها انه خلق ليكون لها وخلقت لتكون منه واليه.
قطع شروده صوت رنين الهاتف كأنه قادم من أزمنة أخرى.وضع اطار الصورة برفق في ركنه المعتاد من المكتب ولسان حاله يقول :"أنت أجمل أقداري ،أنت عالمي،أكونك فيكتمل معنى وجودي" رفع سماعة الهاتف وباشر عمله سعيدا.
Najet Nouar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق