إتحاد الكتاب التونسيين..بين اكراهات الراهن..واستحقاقات المدى المنظور..
-المثقف أوّل من يقاوم..وآخر من ينكسر..
"أكثر الأفراح حزنا..أن تكون شاعرا.كل الإحزان الأخرى لا قيمة لها حتى الموت”(لوركا)
تصدير:
سنظل نكتب بحضور الفكر والضمير أيضا.وسنظل كذلك على استعداد للشهادة من أجل ما نعتقد أنه الحق،ورغم أنهم حرموا علينا حتى حق الإستشهاد،واحتكروا لأنفسهم "بطولة الرأي الواحد "التي سنظل نرفضها..ونرفضها..ولو لم نجد غير أظفارنا..وجدران المقابر للكتابة والنشر..
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن مؤسسات المجتمع المدني باتت تقوم بدور فاعل،واعد وطموح على الصعيد المجتمعي..وعلى هذا الأساس،تببرز مشروعية السؤال عن دور اتحاد الكتاب التونسيين باعتباره مؤسسة مدنيَّة رسميَّة أو شبه رسميَّة تحتضن مثقفي تونس وحملة الأقلام ويجمعهم داخل منظومة واحدة،ومشروعية البحث عن الدور السابق والحالي والمستقبلي،وتقصّي الإمكانيات والنتائج،وكذلك أصول ومرجعيّات المواقف المتخذة،ومدى استقلاليتها عن الأصداء السياسية، وتبنيها بصدق لقضايا الكاتب التونسي وحقوقه في حرية التعبير وحرية الإبداع.وما بين الآمال المتوقعة والمعطيات المتحققة،كان لابد من ترتيب-هذه المؤسسة الشامخة-( اتحاد الكتاب التونسيين) بما يتناغم ويتوافق مع طموحات الكتاب..
وعلى الرغم من أن الفترات السابقة كانت"شبه" مضيئة،إلا أن التحدي الكبير اليوم لا يقع على هذه المؤسسة وفروعها،إنما يقع على الثقافة العربية برمتها لمواجهة التخلف بجميع مستوياته وأشكاله.لذا فالمرحلة القادمة ستكون مرحلة شائكة ستحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل على أرض الواقع،بالانتقال من الاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والإدانة وإقامة الأمسيات الشعرية إلى ما هو أهم من ذلك بكثير،وأقصد التأثير المجتمعي.حيث ينبغي على اتحاد الكتاب التونسيين أن يكون شريكاً في رسم السياسات الثقافية الجديدة..
ولا ينطبق هذا الكلام على-هذا الإتحاد-فقط،بل ينسحب على بقية اتحادات الكتاب في كل بلد عربي على حدة،ما يعني ضرورة أن تستجيب وفق قدراتها واستراتيجياتها للتحديات التي تطرح نفسها بقوة ليواجهها العالم العربي.وينبغي أن تكثّف من دور المثقف حتى يستطيع تنوير الطريق وفتح الآفاق أمام الساسة،وبالتالي فإن على أصحاب القرار أن يستعينوا بالمثقفين والمبدعين.وهنا أشدّد أن على اتحاد الكتاب التونسيين أن يكون سلطة بحد ذاته،ولا يتْبَعْ لأية سلطة تنفيذية أخرى..بمعنى ثانٍ،يجب أن تكون العلاقة التي تجمع اتحاد الكتاب التونسيين مع السلطة علاقة متوازنة،علاقة أخذ وعطاء تسمح له بأن يأخذ منصب المستشار الثقافي في جميع القضايا والتجليات،ويحمل بالتالي مشاعل التنوير..و يجسّد دوره الحاسم في مواكبته لكل مستجدات الساحة،وألا يكون بمعزل عن الحراك السياسي العام في المجتمع،وكلٌّ في موقعه،وقد علّمنا التاريخ أن التغييرات التي حصلت في الوطن العربي والعالم قادها مفكرون ومثقفون..
لقد انتهى زمن الأبراج العاجية،وعلى المثقف أن ينظر إلى هموم شعبه وأن يتزعّم قضايا بلده( تونس) لتحلّ المشاكل بالحوار والتفاعل،وألا يتم الاكتفاء بكتابة قصيدة أو كتابة مقال..!
وهنا أقول : من الواضح أن اتحاد الكتاب التونسيين،سلاحه الثقافة.وبالتالي فإن أدوات حملة الأقلام للتغيير هي الإبداع، الندوة،الكتاب،المقال،القصيدة..لكن هذا لا يتم تفعيله إلا في وجود إرادة ومناخ من حرية التعبير لتستطيع إيصال رسالتك إلى عنوانها الصحيح..
وهنا أضيف : نحن بوصفنا كتابا وأدباء ومثقفين بحاجة لتشريع خطاب تنويري مستقل بعيدا عن مؤثرات الأنظمة السياسية العربية،بالإضافة إلى أننا نأمل من دولتنا التونسية أن تقدّم دعمها لهذا الإتحاد العتيد من أجل تنشيط الحراك الثقافي،وتفتح المجال أمام مثقفينا للخروج من عزلتهم والتواصل مع مثقفي العالم..
على سبيل الخاتمة :
يخيّل إلي أن هذه المرحلة التي نعيشها منذ عقد ونيف حتى الآن لا تمثل منعطفاً شديد الحدة في التاريخ العربي الحديث فقط،إنما تمثّل منعطفاً في الوعي الجمعي العربي.ولذلك نستطيع أن نتحدث عن علاقة جدلية بين الثقافي والسياسي.فكما كان لهذا المنعطف تأثيراته الكبرى في الجغرافيا السياسية العربية تحت ما سمي-تعسفا على الذكاء الإنساني-بـ "الربيع العربي"..! ،كان له أيضاً تأثيره في بلورة وعي الأفراد.ومنه تفرض المرحلة الجديدة على المثقف العربي أداء ثقافياً عالياً وباهراً وباذخ الدلالة،في الحفاظ على ذاكرة الأمة وتحصينها ضد ما يتهددها من أخطار،ومآزق..
إن أهم هدف استراتيجي ينبغي العمل عليه من قبل الكتاب والأدباء التونسيين-في تقديري- هو ألا يأخذنا الحقل السياسي بخلافاته وتشرذماته والعيوب الفاقعة الموجودة فيه.أن نبقى نتحدث عن رواية تونسية،أن نبقى نتحدث شعر تونسي، نقد تونسي،مسرح تونسي..،من أجل أن نحقق حلمنا في أن تكون ثقافتنا،هي الأداة أو الوسيلة التي توجهنا جميعاً.علينا أن نرى أنفسنا في مرآتنا الثقافية وأن نجعل الآخر يرانا ثقافيا..
وهنا أختم بكلمة أخيرة منبجسة من خلف شغاف القلب: التكريم الحقيقي للمثقف..هو أن تصان كرامته في وطنه..وأن تحترم كلمته..ومن هنا تجدر الاشارة إلى أن الكرامة التي أقصد إلى إثارة الانتباه إليها ها هنا، ليست تلك الكرامة التي يربطها البعض برغد العيش وهناء البال،والتي يحققها التمتع بأزاهير الحياة من مطالب طينية،حيوانية،رخيصة،إنما الكرامة التي أقصدها هي مُعْطًى فطريٌّ جاء مع الإنسان إلى هذه الحياة، وليس لأحد أن يَمُنَّ به على أحد. فالتكريم ثابت في حق الإنسان "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء،70)،وهو "ملكية فردية" له،لا يحق له أن يتنازل عنها.ومن فرَّط فيها ضلَّ الطريق،وسار إلى إهانة نفسه،لذلك لا أعتبر الكرامة "مطلبا" بالمفهوم النقابي للكلمة،لأنه لا أحد قادر أن يمنحها لك،ولكنها "مِلْكٌ"من فرَّط فيه،أهان نفسه،وأوردها مهالك الاستغلال،والإهانة،والعبودية.
وأرجو أن تستساغ رسالتي جيدا..وأن لايقع إخراجها عن سياقها الموضوعي..
محمد المحسن
*تنويه : إتحاد الكتاب التونسيين،ليس الناطق الرسمي لجميع الكتاب والأدباء والذي من المفترض أن تكون له مكانته كممثل للمثقف في تونس.ومن الأهمية بمكان أن تكون له كلمة تقال وأن تكون ذات قوة وتأثير،لأنها كلمة واعية من المفترض أن يمتلك من يقولها الوعي والرؤية المنهجية..
-كاتب المقال،كاتب عام اتحاد الكتاب التونسيين-فرع تطاوين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق