قصة قصيرة /بقلم :
** محمد الهادي بن عبدالله / تونس **
** الإشاعة الغريبة **
الجارة تخبر جارتها ، والرجل يخبر جاره ، والشاب يخبر صديقه . الكل علم بالخبر .
في المقهى الجميع يتحدث بما سمع .
- هل سمعت ؟
- لا . ماذا ؟
- هات أذنك ، إسمع ولا تخبر أحدا .
- قل ، لا تخف ، سرك في بئر .
- كذا وكذا وكذا وكذا ...
- بالله ؟ حقيقة ؟ هذا أمر عجيب .
- والله غريب جدا ..
- هل تزوّج بها ؟
- سيكون ذلك بعد شهر .
- هل وافق الرجل على ذلك ؟
- بالطبع ، وافق .
- ماذا سيكون رد فعل زوجته الخالة " زاهية "؟
- سيتزوج بها في السرّ .
- ولكن ، إذا أنجب منها ذرية كيف سيتصرف ؟
- الأمر سهل ، هي ستتصرف و ستقوم بكل شيء .
- والله أمر غريب وعجيب .
- أصمت الأن ، ها هو صديقنا حمدان يقترب منا .
الحكاية وما فيها أن الحاج منصور وجد كنزا كبيرا في حقله . ثلاث جرار مملوءة ذهبا . دنانير ذهبية من عهد بعيد جدا . عملة قديمة .
وجده منذ خمسة أيام عندما كان يقوم بحفر حفرة لغراسة شجيرة زيتون .
الجنيّة الحسناء التي زارته في الهزيع الأخير من الليل أخبرته بمكان الكنز . كان ذلك منذ عشرة أيام .
لقد طلبت منه كذلك طلبا غريبا ، وهو أن يتزوج بها بعد العثور على الكنز .
كما طلبت منه أن لا يخبر أحدا .
كيف سرى الخبر في القرية إذن ؟
ذلك الرجل الطويل الغريب الذي حلّ بالقرية منذ أشهر هو الذي نشر الخبر .
إسمه " السّبْتي " .
شخص غير معروف ، أتى من بعيد وآستأجر دكانا صغيرا جعل منه مسكنا فرديا . حكايته مجهولة لدى أهل القرية .
إنه يجلس دائما قبالة المقهى ، تحت شجرة صغيرة ، ويبقى يراقب الرائح والقادم ، يترشف كأس شاي يجود به عليه أحدهم من حين لآخر ، أو فنجان قهوة .
هذا " السبتي" قد تكون له حكاية ، ولكن لا أحد يعرفها .
هو الذي نشر خبر الكنز .
البعض يشكك في أن السبتي قد يكون جاسوسا أو مروّج مخدرات ، أو يتاجر بالبشر . لا أحد يعلم ذلك ، ولا أحد يعرف له أصلا او مفصلا .
أسرّ السبتي بالخبر لجاره في الدكان ، بائع الحبوب العمّ جبران ، والذي بدوره سرّب الخير لزوجته ، ثم آنتشر الخبر بسرعة ، بسرعة عجيبة .
الإشاعة ككرة الثلج ، تكبر شيئا فشيئا ، هذا يزيد جملة ، والآخر يزيد كلمة ، والأخرى تزيد رواية ثانية ، وتصبح الأمور كبيرة ، ومن " الحبة نبني القبة " .
عبدالعظيم المعلم بالمدرسة ، سأل السبتي عن الخبر ، فأنكر الأخير ما نسب إليه ، رغم أنه تكرم عليه بعلبة سجائر .
لقد كان جوابه مختصرا جدا ، الحاج منصور إشترى سيارة جديدة ، فمن أين له ذلك ؟ ربما وجد كنزا . هذا ما تكهّن به السبتي ، ومن هنا بدأت الحكاية .
السبتي ربط شراء السيارة بالكنز الموْهوم .
لم يتجرّأ أحد على توجيه السؤال للحاج منصور ، من أين له ذلك ؟ والكلّ يعرف أن الحاج منصور رجل يحب عمله ومخلص ومستقيم . الرجل فلاح ناجح ، وكوّن ثروته المتواضعة بعرق جبينه . إشترى سيارة بحرّ ماله الذي كان يدّخره منذ سنوات . صحيح الكنوز موجودة ومخفيَة تحت الأرض ، ولكن لا أحد يمكنه معرفة مكانها إلا بأجهزة خاصة ، وكذلك كيف لهذه الجنية أن تخبر الحاج منصور بموْضع الكنز وتطلب منه طلبا غريبا كالزواج بها ؟
هذه الحكاية لا تنطلي على عاقل أبدا .
الواقع غير ذلك تماما .
والحقيقة مغايرة لما روّجه بعض سكان القرية .
عمدة القرية عاين المكان مع بعض الأهالي .
وظهرت الحقيقة واضحة وضوح الشمس .
في الحقيقة لم يكن الكنز سوى قنبلة كبيرة من مخلفات الحرب العالمية .
ومن ألطاف الله لم تنفجر ، كما آنفجرت هذه الإشاعة العجيبة .
ومن وقتها لم نر وجها للرجل الغريب ، السبتي .
لقد راغ كما يروغ الثعلب .
لقد تفرقعت الإشاعة كبالونة هواء ، وغاب مروّجها عن الأنظار .
** محمد الهادي بن عبدالله **
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق