دور المؤسسات الأدبية في تفعيل المشهد الثقافي ( مؤسسة الوجدان الثقافية-نموذجا )
قد لا أستصغر من شأن المؤسسة الأدبية في دعم وتبني الأديب وتقديمه للمتلقي منذ بداية موهبته حتى اكتمال ونضج مسيرته،لأن العملية الثقافية ذات الطابع الأدبي تكاملية،لكن دور الأديب هو المبتدأ وإليه المنتهى،إذ لا تستطيع أي مؤسسة صناعة أديب !
وهنا أقر بأنه لا يمكن تخيل قدرة أي مؤسسة ثقافية مهما كان حجمها على تقديم نتاج أدبي ضعيف بشكل ناجح مهما بذلت من جهود الدعاية..فالأدب الواعد يلج وجدان المتلقي،ويلامس ذائقته الفنية.دون الحاجة إلى-وسيط-كمؤسسة ثقافية على سبيل الذكر،لا الحصر..
لكن ما لا يختلف فيه إثنان،هو رحابة الفضاء الذي أتاحته المواقع الثقافية الالكترونية أمام الكتّاب ( مؤسسة الوجدان الثقافية- نموذجا) لإيصال إنتاجهم الأدبي إلى أوسع قطاع ممكن من القرّاء، بعيدا من إشكالات النشر في الصحافة الورقية-سابقا- للذين لا يمتلكون أسماء معروفة.
هذه المساحة الهائلة خلقت بدورها علاقة جديدة،أساسها حرية الاختيار التي فتحت الأبواب للتعبير عن الآراء ووجهات النظر، وأيضا لإنشاء مواقع خاصة بحسب هذه الآراء والاتجاهات.لكن ذلك تحقق بمرونة أكثر من تلك التي عرفناها في الصحافة الورقية المحكومة أساسا بقيود الحركة وما يثقلها من قوانين رقابية عربية ومن رأس مال كبير تحتاجه الصحيفة الورقية المرشحة دوما إلى الوقوع الحتمي في الخسارة..!
حال كهذه جعلت بروز صحافة الكترونية أشبه باكتشاف يمدّ يد العون إلى الأقلام الشابة،مثلما يكسر أمام المثقفين والقوى السياسية حواجز المنع ويمنحهم القدرة على توصيل ما يشاؤون من آراء ووجهات نظر،سيما ذات الطابع الإبداعي.
كثيرة في شروط سهلة،هي المواقع الالكترونية التونسية والعربية.على أن هذه الكثرة تحمل بدورها ملامح ضعف تعتور النسبة الغالبة من هذه المواقع التي تأسست خارج شروط المستويات الفنية ومواصفات الجدية والرصانة.فالنظرة الموضوعية الى هذه المواقع تهمل الكثير منها،رغم انها تنتشر اليوم كالفطر،لتلتفت الى مواقع أخرى نجح مؤسسوها في جعلها صحافة حقيقية تقدم الجاد والرصين وتلاحق تطورات الحياة الأدبية والثقافية بكفاءة عالية،وتتمكن في الوقت ذاته من تحقيق فكرة الثقافة الحرة والحداثية،والتي تحمل روح التسامح والديموقراطية وحقوق الإنسان وتواكب الآداب والثقافات العالمية،على غرار كما أسلفنا مؤسسة الوجدان الثقافية التونسية.
-الوجدان الثقافية-دون مجاملة ولا محاباة،تمكنت ببراعة واقتدار من بلورة اتجاهات حقيقية ونجحت في استقطاب قراء ومتابعين في مختلف الجهات التونسية وكذا البلدان العربية،بل نجحت في "استدراج" مساهمات الكتاب المعروفين من المشاهير والذين تعوّد القارىء متابعتهم في الصحافة الورقية.جمعت هذه المؤسسة الرائدة ( الوجدان الثقافية)بين أسلوبين،الأول نشر المواد الأدبية والمقالات النقدية المكتوبة خصيصا لها،والثاني أنها ثابرت على نشر أبرز ما تشهده الساحات الثقافية تونسيا وعربيا من نشاطات إدراكا من القائمين عليها وعلى رأسهم الكاتب والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي أن الثقافة لا ترتهن للجغرافيا بل تتجاوزها إلى آفاق أرحب..يتسع لها الوطن العربي من المحيط إلى الخليج..
وهنا،أدعو الكتاب والقراء-على مسؤوليتي الضميرية-،إلى متابعة هذا الموقع ( الوجدان الثقافية) الذي احتل مكانة مهمة في الحياة الثقافية على المستوى الوطني،الإقليمي والعربي.فقد واظب على الاهتمام بنشر النصوص الخلاّقة والمقالات النقدية المتقدمة ذات المستوى المتميز،فاحتفظ لنفسه بمكانة مرموقة حظي من خلالها باحترام وتقدير الكتّاب التونسيين والعرب على اختلاف أقطارهم وأمزجتهم.
في الأحوال كلها،يمكن القول إن حضور المواقع الالكترونية في حياتنا الثقافية يفتح عصرا جديدا.فقد انكسرت قيود وتحطمت حواجز وانفتح الطريق الحر للنشر في فضاء شاسع،بل لعله فضاء بلا ضفاف.
والسؤال الذي نختم به : أليس العالم..قرية صغيرة ؟!
والسؤال..في حد ذاته جواب..
محمد المحسن
*تتويه : ثمة مواقع الكترونية أخرى تقدم جهدا جميلا وتحاول المساهمة في تنشيط الحياة الثقافية،لا نقلل من شأنها ولا ننكر دورها في تفعيل المشهد الثقافي التونسي والعربي.وسنتطرق إليها في قادم القراءات.
**ملحوظة : فضاء الانترنت مفتوح،بما يعني أن الإشارة إلى المواقع الالكترونية الواعدة،في مقالاتنا القادمة لا يلغي توافر مواقع أخرى صارت تُعدّ بعشرات الآلاف وربما أكثر،لكنها في الغالب إما من النوع البسيط الذي لا يتجاوز مستواه عمل الهواة والمبتدئين وإما من تلك "الديوانيات" التي يقبل عليها الشباب لتبادل الآراء العابرة والتعارف.جانب آخر من عالم النشر الالكتروني لعله الأهم والأكثر غزارة اليوم، يتمثل في المواقع الالكترونية الشخصية التي انتشرت في السنوات القليلة الفائتة.أصبح من المألوف وشبه الطبيعي أن يؤسس الكتاب والشعراء مواقع خاصة بهم ينشرون فيها إنتاجاتهم الأدبية ويتلقّون في زاوية خاصة فيها آراء الآخرين من النقاد والقراء على حد سواء.ذلك كله لا يلغي الفوضى الكبرى الناجمة عن ظهور أعداد لا تحصى من مواقع الكترونية شخصية لا تمتلك من المبرّرات سوى رغبة مؤسسيها في إرضاء نزواتهم.وهذا موضوع آخر سيستدعي منا الحبر الغزير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق