السبت، 26 أكتوبر 2024

هي ذي المقاومة الفلسطينية الباسلة..مجلّلة بالوجع ومطرّزة بالبهاء..والتحدي.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 هي ذي المقاومة الفلسطينية الباسلة..مجلّلة بالوجع ومطرّزة بالبهاء..والتحدي..


"أنا أتألمُ،بينما أنتم تَمدحونَ كتاباتي"..كافكا


"لست شاعرا ولا كاتب رواية ...فقط صحفي يكتب قصصا وينقل اخبارا ، غير أن متابعة القصص و الأخبار  تدفعك احيانا إلى أبعد منها ...إلى أبعد من القالب " ( أ-نوالدين المباركي)

--------


قراءة متأنية في-قصة قصيرة-جدا منبجسة من ثقوب الوَجَع..-للكاتب والصحفي التونسي القدير أ-نوراالدين المباركي


(تقديم محمد المحسن)


هذا النص الإبداعي المقتضب للصحفي القدير أ-نورالدين المباركبي-التقفناه من صفحته الخاصة دون إذن منه نظرا لخصوصيته المتميزة مبنى ومعنى-إذ يعتبر-في تقديري-قصة قصيرة جدا ناجحة من حيث الفكرة والمتن الموحي،وأيضا من حيث التكثيف وبساطة السرد والايحاء والمفارقة القوية  والمدهشة.علما أن اللغة الابداعية لجنس القصة القصيرة جداً،كما اتفق عليه كل نقاد المعمورة،لا يحتمل التفصيلات والشروح والحوارات كما هو الحال في الرواية أو القصة القصيرة أو المقالة أو ما إلى ذلك من الأجناس الأدبية الأخرى..

فالقصة القصيرة جداً لغة إيجاز،وترميز،وإيحاء،تكثيف حاد،وحذف إبداعي،وإيقاعات متعددة في عبارات محددة..

وهنا أضيف : تتجلّى أركان القصة القصيرة جداً في القصصيّة والتّكثيف،فهذا النّوع يتميّز بقصر الحجم والاعتماد على الإيحاء المكثف،بالإضافة إلى سمة التّلميح والاقتضاب،واعتماد النّفس الجملي القصصي المرتبط بالحركة والتّوتر مع الميل إلى الحذف والإضمار،أمّا التّقنيات فتتمثل في خصوصية اللغة والانزياح والمفارقة والتّناص والتّرميز والأنسنة والمفارقة والتّنويع في الاستهلال والإختتام.

بخصوص هذه اللوحة الإبداعية للصحفي الألمعي أ-نورالدين المباركي ،تبدو لي من ناحية المبنى موفقة جدا خاصة في-السرد القصصي-المكثف بطريقة عجيبة ملفتة للنظر،مع حسن اختيار الكلمات بعناية و دقة..( "الأرض لم تعد  ثابتة تحت اقدامهم

تهتز عند كل تسلل بين الأحراش...عند همسة لا تحملها الريح 

 تفقد توازانها..)،وجعلها في مكانها المناسب،بحيث تشكل لنا عقد القصة أو مفارقتها التي وصلت إليها برمزية في منتهى الرقي  والجمال اللفظي دون أن ينفلت منها عمق المعنى الذي أراد أن يصل إليه الكاتب،كما نلمس جيدا تلاحم وتماسك المعنى بالمبنى دون أن يطغى أحدهما على الأخر ( "تهتز الأرض ،ترقص على صدى لحن واحد.لحن الرصاص وازيز الصواريخ يعزفه فتية لا تراهم..") و هذا راجع إلى حنكة في السرد و حسن استعمال الأدوات الإبداعية عند صاحب النص.

كما احتوى النص على صياغات أدبية غاية في الجمال،جعلته يرتقي بسرعة في سُلم الأدبية،وذلك بتوظيف تراكيب لغوية متماسكة،دون ترك فراغات سردية تجعل القارئ ينفر من القصة، وقد ساهم هذا في جذب انتباه القارئ و تحريك احساسه  والتفاعل وجدانيا مع أحداث "القصة" التي اشتملت على صور بيانية موحية،تحمل ايحاءات رقيقة تارة ("..قد تلقى صورهم تملأ  الجدران وترفع على الرايات..") و تارة أخرى قوية في وقعها على نفسية القارئ،سيما وهو يرى رجال المقاومة الفلسطينية البواسل يتسابقون إلى الموت لأنهم مؤتمنون على استمرارية الحياة.ومن غزة تستمدّ المواجهة لديهم عنفها المدوّخ الضاري.كأن الكاتب يمسك شعوره و يدير دفته حيث يشاء وكما يريد.

هوذا،الإبداع الجميل كلما تعددت تفسيراته يزداد عمقا و ثراءً،بل أُحادية النظرة هي التي تحشره في دائرة ضيقة و محاصر جدا.

وعند محاولتك سبر أغوار هذا النص المربك،تكتشف أنك تدخل في مشهد متكامل و مستقل،فيه من السيمياء والطرح العميق ما يكشف عن مخيال خصب،وهذه الحكاية التي يكتبها الكاتب أ-نورالدين المباركي،من نسيجه الخاص،حتى يخلق شخصيات مرتبطة بطين الأرض-الوطن،أكثر من ارتباطها بُمثلٍ أو بعاطفة من عند الكاتب الذي يمتلك خصائصها الواقعية من جهة والدلالية من جهة أخرى،وهذه اللوحة الإبداعية القصيرة جداً  تحرك فيك الكثير من الهواجس والأسئلة بين الذات،والأرض والوطن،والإنسان.

والكاتب هنا”كمن يحمل كامرته على ظهره لينقل لنا الثيمات التي فيها من الموضوعية الكثير،وكأنه يقوم بتسجيل الأحداث وتوثيقها عبر لغة بلاغية مكثفة فيها الكثير من الاختزال في المعاني."

ختاما أقول : إنّ تحليل النص الوارد،يدفعنا إلى الإسترسال والإستفاضة والبحث في تقنيات القصة القصيرة جداً. 

والمقام هنا لا يسمح بذلك،وهو ما يمكن أن يكون في دراسات لاحقة..

لنقرأ هذه اللوحة الإبداعية المتميزة مبنى ومعنى-كما أسلفت-  والتي خطتها أنامل الصحفي التونسي القدير أ-نورالدين المباركي،ولكم حرية التفاعل والتعليق:


هناك.. بعيدا 

.. الأرض لم تعد  ثابتة تحت اقدامهم

تهتز عند كل تسلل بين الأحراش...

عند همسة لا تحملها الريح 

 تفقد توازنها ، عند هرولتهم  في صفوف لا يفهم ترتيبها سواهم 

تنتفض عند صراخهم.. تقدم.. اضرب..

تنمو فوقها شجرة سقاها دم أحمر قان ..

***


هناك بعيدا  بعيدا

حيث السماء تراقب 

والريح تعاند ..

هناك 

تهتز الأرض 

ترقص على صدى لحن واحد .

لحن الرصاص وازيز الصواريخ 

يعزفه فتية لا تراهم ..

و قد تلقى صورهم تملأ  الجدران 

وترفع على الرايات ..


أ-نورالدين المباركي-مراسل صحفي لقناة فرنسا 24/ France 24


قبعتي..يا مبدعنا الفذ.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق