المشاركات الشائعة

الجمعة، 1 نوفمبر 2024

خاطرة تأملية بقلم الكاتب أحمد الكاتب

 خاطرة تأملية

حين يصبح الهدوء صخبًا : راحة النفس في ضجيج الحياة

الهدوء... ذلك الوهم الجميل الذي نبحث عنه حين تشتد بنا الحياة، ونعتقد أنه الملاذ الذي يخفف من أوجاعنا ويريح عقولنا المرهقة. نتوجه إليه كما لو كان ملجأً من ضجيج العالم، لكنه في الحقيقة ليس سوى مساحة خالية تعكس ما نخشى مواجهته في دواخلنا. فالهدوء ليس تلك النعمة التي تنفض عنك عبء الأفكار، بل هو مرآة تكشف التفاصيل الدقيقة التي نتجنبها، وتُضخم الصمت حتى يصبح ضجيجًا يقتحم أعماقنا بلا استئذان.

حين تجلس في مكان هادئ، بعيدًا عن صخب الناس وأصوات الحياة، تجد نفسك وحيدًا مع أفكارك. كل همسة داخلية، كل شكوى مكبوتة، كل قلق مخفي يظهر فجأة أمامك. الهدوء يضعك أمام نفسك بصدقٍ لا يرحم؛ فيتضاعف شعورك بالتوتر وتغرق في بحيرة من الأسئلة التي لا إجابات واضحة لها. إنه يزيل الستار عن كل ما كنا نخبئه خلف أصوات العالم من حولنا.

الحقيقة التي نغفل عنها هي أن الراحة لا تأتي من الصمت، بل من الهروب الذكي من الذات، أن تجد ما يشغلك ويملأ فراغك. إنها تكمن في العمل الذي يُلهب روحك، في الشغف الذي يسرق انتباهك بعيدًا عن همومك، في العلاقات التي تضج بالحياة وتملأ يومك بالحركة والدفء. الراحة الحقيقية هي أن تجد ما يُبعدك عن ذاك الحوار الداخلي المضني، أن تنغمس في تفاصيل صغيرة تُبقيك منشغلاً وتُبعدك عن ثقل الوجود.

حين نجد شيئًا يسكن إليه القلب، شيئًا يثير فينا الحماس، تُصبح الأفكار المشوشة أقل ضجيجًا، وتهدأ النفس في زحمة الأفعال. الراحة ليست في الهروب إلى مكان صامت، بل في العثور على ما يجعلنا ننسى أنفسنا ولو للحظات. فكلما انشغلنا بشيء نحبه، تضاءل تأثير الأفكار المثقلة بالهموم، ووجدنا في الضجيج الداخلي نوعًا من السكينة التي كنا نظنها مستحيلة.

في النهاية، الراحة ليست هدوءًا ولا مكانًا بعيدًا عن الضجيج، إنها ذلك الشعور الذي يغمرنا عندما نفقد إحساسنا بالوقت ونغرق في شيء نحبّه، فنرتاح من أنفسنا قبل أن نرتاح من أي شيء آخر.


أحمد الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق