الاثنين، 11 نوفمبر 2024

الحب بقلم الكاتب / محمد حسان

 الحب

كلمة ملغزة لم يستطع أحد الوصول إلى كُنهها، فهي لا يفهمها إلا مَن عاشها، وذاق إحساسها، ولكنه مع تذوقه ومعايشته لها -إلا أنها من سرّها- يعجز عن التعبير عنها، والإفصاح بمكنونها، فجمالها في كتمانها، والسعادة فيها في حُرْقتها، وكأن لها من حروفها نصيبا، فالحاء في نطقها تعني الحرقة، والباء شفوية تغلق عند النطق بها، كأن الكلمة تقول لنا: أوَّلي حاء الحرقة، وآخرتي باء الشفة التي تُغلق على هذه الحرقة. فلا نبوح بحرقة الحب بباء الشفة، وهذه الحرقة هي غرام المحبين، ونشوة العاشقين، كلمة إذا عشتها كنت كالطائر الذي يحلق بجناحين من ضوء القمر فوق النجوم، فبها تلامس السماء فرحًا، وتسبح فوق أشجار الربيع طربا، تلامس عبير أزهاره، لا يحتويك مكان، ولا يسعك زمان، فهي تتبدل معها كل مُسَلَّمات الحياة، فيستحيل العذاب معها نَعيمًا، والصَّدُّ لقاءً، والهجْران قُرْبًا، فمن عذابه نبع شعر عنترة، ومن هجرانه استرسل قيس شعرا، فلولا معاناتهما ما تذوقنا عبير الشعر منهما، ولما سطر الزمان قصتهما، وما تغنت العرب في فيافيها بأشعار تغزلهما، فيا لها من كلمة، إذا اخترقت القلوب أصبحت من لُحْمته، لا تنفك عنه، فيا لَكِ من كلمة، حرفان يحملان من المعاني ما لا يسعه سطح الأرض كتابًا، ولا موج البحر مدادًا، ولكلٍّ فيها له مذْهب ومنحى؛ يدور حولها، حسب محبوبه، وحسب هواه، فبه تقوم بلاد وتَحْيا أمم، كلمة عند سماعها يأتي بخَلَدك كل ما هو جميل من المعاني والذكريات، تأخذ بِلُبِّك فتغيب عن واقعك؛ كأنك انتقلت إلى جنة فؤادك، تهيم في ربوعها، تستعذب المكوث بين همهمات معانيها التي تأثرك، فلو قيل للمحب: ما هو الحب؟ قال لك هذا هو حالي يجيبك بما أعاني، ولا يستطيع تفسيره منطقي ولساني، فيا قيس ويا عنترة، بكل إبداعاتكما بُحتم بأثره وعجزتم – رغم فصاحتكم- التعبير عن كنهه، فإذا كان هذا حالكم يا أشعر العرب، فما بالنا نحن، فلا نملك إلا نرى أثره علينا، ولا نفسر كنهه، فما نحن إلا مثل سابقينا، ندور في فلكه ولا نلامسه. نهيم في رياضه ولا تلامسه أقدامنا، نستنشق عطره ولا نرى زهره، يضيء دروبنا بلا شعاع، يشدو بألحانه بلا آلات، فيا لك من سر يظل عبقه في لغزه.
دارت حولها البشرية كما تدور الأفلاك في السماء، ولا زلنا ندور.
بقلمي / محمد حسان
Peut être une image de 1 personne et texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق